تراثنا المعماري وجنون «التراكتورات»!

TT

هل تستحق المنطقة التاريخية في مدينة جدة أن نحافظ عليها؟ للإجابة عن هذا السؤال لا نريد أن نبالغ في أهمية المنطقة التاريخية من المدينة التي تضم ذلك التراث المعماري، ولا نسلبها حقها أيضا، وكل ما يمكن أن نقوله بعبارات موجزة إن هذه الآثار المعمارية هي كل ما تبقى لدينا بعد أعوام طويلة من جنون «التراكتورات»، وإن من بين هذا التراث المعماري ما يمكن أن يصل عمره إلى ثمانية قرون كمئذنة المسجد العتيق المطلة على سوق الجامع بجدة، وهو المسجد الذي بني بأمر الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كما يمتد عمر عين الماء المكتشفة حديثا، والتي أطلقت عليها الأمانة مسمى «عين فرج يسر» نسبة إلى التاجر الجدي فرج يسر.

وهو في الحقيقة لم يجلب هذه العين إلى جدة، وإنما الذي جلبها السلطان المملوكي قنصوه الغوري الذي امتد حكمه من عام 1501 إلى 1516، وما قام به فرج يسر وعدد من تجار جدة يتمثل في إصلاح مجاري تلك العين بعد انسدادها، وبالتالي فإن عمر الأثر المعماري لتلك العين يصل إلى نحو 500 عام تقريبا.

كما تضم المدينة عددا من البيوت التاريخية، وأخرى ذات القيم الجمالية المعمارية، ولو قدر إجراء بحث علمي في بعض أماكن المدينة فلربما عثر الباحثون على آثار معمارية تمتد إلى قرون بعيدة، إذ إن تاريخ الاستيطان البشري في المدينة يمتد إلى ما بعد العصر الحجري الحديث، وقد شهدت أنماطا راقية من الحياة الاجتماعية منذ العهد الأموي، تمثلت في وجود شعراء، وفنانين، وتجار، وصناع سفن، تؤكد ذلك روايات عدد من الرحالة والمؤرخين، الذين وصفوا جدة بأنها مدينة كثيرة التجارة، عامرة بأهلها.

هذه المعالم المعمارية تعرضت في السنوات الأخيرة لعدد من الانهيارات والحرائق، مما دفع ببعض المهتمين إلى التحذير من الأخطار التي تحدق بهذه المنطقة، وأهم هذه التحذيرات جاءت من معماري بارز، هو الدكتور سامي عنقاوي الذي أشار إلى أن المباني في منطقة جدة التاريخية معرضة للزوال خلال عشر سنوات إن بقي الحال كما هو عليه، ولم أعد أدري كم مضى من الأعوام منذ أن أطلق العنقاوي صرخته.

أكتب اليوم هذا المقال، ومدينة جدة تشهد اهتماما بارزا من إمارة المنطقة، وأمانتها، وكم أتمنى أن يكون نصيب المنطقة التاريخية من هذا الاهتمام بما يتناسب مع استحقاقها، بعد أن ظلت عقودا طويلة بعيدة عن اهتمامات الأمانة وأمنائها.

[email protected]