عرفوا البداية ولا يعرفون النهاية!

TT

-لم يخطر على بالي أن أكون صحفيا. وكنت أتصور أنني سأعمل في هيئة دولية لأني أعرف عددا من اللغات. أما ما هي هذه الهيئة وأين ومتى؟ لا أعرف. فبالصدفة صرت صحفيا. وأعطتني الصحافة كل ما يتمناه أي صحفي. فرأست التحرير عشر مرات. ولم تستغرقني الصحافة فألفت 187 كتابا.. وحصلت على كل جوائز الدولة والدكتوراه الفخرية..

وكنت أظن أنني إذا تعلمت في الأزهر كما كان يريد أبي فسوف يكون لي رواق. ولكن أمي هي التي رفضت أن أكون شيخا معمَّما مثل بعض أقاربي ـ وهي أمية لا تقرأ ولا تكتب.

ومن النادر أن يعرف أحد بالضبط ما سوف يكون. وإن كنت قد سمعت من يقول إنه خطط لمستقبله.. كيف؟ ومن يقول إنه كان يعرف أنه سيكون طبيبا أو مهندسا أو تاجرا.. ولكن أكثر الناس مثلي لا يعرفون..

بل إن عددا كبيرا من العظماء بدأوا طريقا لا يصل بهم إلى العظمة. كيف؟ هذا ما حدث. مثلا العالم الكبير أينشتين كان موظفا في السجل المدني. ونجيب محفوظ كان موظفا في وزارة الأوقاف ورفض أن يتركها. والعقاد مدرس للغة الإنجليزية وتوفيق الحكيم وكيل نيابة وأكبر شاعر غنائي مرسي جميل عزيز فكهاني.. والأديب فولكنز نقاش والرئيس فورد عارض أزياء والرئيس ترومان بائع خردوات والرئيس نيكسون عامل تليفون والزعيم الإيطالي جاريبالدي نجار والأديب التشيكي كافكا مندوب شركة تأمين والرسام جوجان سمسار ومارلين مونرو عاملة في مصنع.. والفيلسوف إسبينوزا نظاراتي والأديب ديماس خطاط.. والأديب أو. هنري راعي بقر.. والأديب الفرنسي جان جينيه لقيط لص شاذ جنسيا. وقد ألف عنه الفيلسوف الوجودي سارتر كتابا بعنوان «القديس جان جينيه» في ألفي صفحة. لأنه يستحق هذا الاهتمام العظيم.. أما هو فظل غارقا في شذوذه ولا يتوقع أن يكون أديبا مرموقا..

سألوا توفيق الحكيم: أنت سعيد بأنك كاتب؟ قال: السعادة لا تصنع كاتبا وإنما التعاسة. فقد كنت أتمنى أن أكون فلاحا أزرع وأبذر وأحرس ولا أرى إلا البهائم وليس الناس الذين كالبهائم!

والعقاد قال: إنه كان يفضل أن يكون مدرسا للحساب أو الرياضيات.. وهي مادة الوضوح والمنطق..

ونحمد الله أن خاب أملهم جميعا وصاروا أعلامنا وعظماءنا!