محمد علاء مبارك

TT

تلقيت خبر وفاة حفيد الرئيس حسني مبارك وأنا في غرفتي بأحد فنادق أشبيلية بأسبانيا، أستعد لندوات مؤتمر علمي عن الآثار، قطعت من أجله آلاف الأميال. وبمجرد سماعي الخبر الحزين، جثم حزن عميق على قلبي وقلوب كل من سمع بخبر وفاة محمد علاء مبارك.. ليس فقط لأنه حفيد الرئيس، ولكن ظروف وفاة طفل في مقتبل العمر يجعل الإنسان يصاب بالحزن. ويبقى الموت حقيقة مؤلمة، علينا أن نتقبلها بقلوب مؤمنة صابرة محتسبة.. بالطبع ليس هناك أعظم من نعمة الصبر والسكينة التي ينزلها المولى عز وجل على قلوب المبتلين، فمع البلاء تتنزل رحمات الحي الذي لا يموت. وإذا كان موت طفل يصيبنا بالحزن، فيجب أن نكون على ثقة ويقين بأن الأيام تغسل الأحزان، وتُبقي لنا الذكريات الجميلة مع من افتقدناهم.

لا يخفى على أحد تعلق الرئيس مبارك بحفيده محمد، وقربه إلى نفسه. وعندنا في مصر يقول المثل الشعبى «أعز الوِلد.. وِلد الوِلد»، وبالطبع فكلنا نحتفي بأحفادنا، ونرى فيهم أملا جديدا في الحياة، واستمرارية، ونتمنى لهم كل الأشياء الجميلة. وعندما يختطف الموت حفيدا لنا، فكأنه اختطف قلوبنا، ولا راد لقضاء الله، وإنما هو الطمع في رحمته للمتوفى ولأهله. لم تستوقفني مشاعر الناس الذين تابعوا جنازة الطفل الصغير وهم يرون أباه وعمه يحملان النعش في مشهد وداع حزين صامت؛ والسبب هو ما أعرفه عن طبيعة البشر عندما تتوحد مشاعرهم في لحظات فارقة في حياتهم. فقد كان وقتا يحتاج فيه الرئيس وعائلته إلى كل الناس لكي يقفوا بجوارهم في مصابهم الأليم، وليشدوا من أزرهم ويواسوهم، ولو بكلمات بسيطة تعبر عن مشاعرهم تجاه الموت وفقد الأحبة. وقد تعودنا من الرئيس مبارك الوقوف إلى جوار الجميع في أزماتهم وأفراحهم، وأنا شخصيا لي تجربة معه لن أنساها، لما تركته في نفسي من أثر. كان ذلك عندما فاجأني بمكالمته التليفونية ليسألني عن الإصابة التي ألمت بعيني، وعن حالتي، وعما سأفعله، وتمنى لي الشفاء، وطمأنني بكلمات رقيقة كان لها وقع جميل في نفسي. وبعد هذه المكالمة بدقائق، وجدته يحدثني مرة أخرى ليخبرني أن هناك قرارا في وزارة الصحة لعلاجي بالخارج. ولم تنقطع مكالماته للاطمئنان عليَّ أثناء وبعد الجراحة الدقيقة، على الرغم من مسؤولياته ومشاغله الكثيرة.

كانت زيارة الشتاء الماضي لمقابر وادي الملوك هي آخر زيارات محمد علاء مبارك، الذي كان شغوفا بالآثار والتاريخ، حريصا على زيارة المواقع الأثرية مع أسرته وزملائه. وفى آخر زياراته دخل إلى مقبرة الملك «أمنحتب الثاني» بوادي الملوك، وكنت قد أرسلت إليه آخر كتاب لي عن المسلات المصرية للأطفال، وبه إهداء إليه، وقبل ذلك أرسلت إليه كتابا عن الفرعون الذهبي الصغير باللغة الإنجليزية، وأخبرتني السيدة سوزان مبارك بأن حفيدها سوف يزور أهرامات الجيزة. وللأسف، لم تتحقق هذه الزيارة، بعدما ذهب إلى خالقه ملاكا صغيرا. وهنا أتوجه بعزائي الشخصي إلى هذه الأسرة المصرية التي تمثل نموذجا لقيمة وإنسانية المصريين، وعلى رأسها الرئيس مبارك، والسيدة الفاضلة سوزان مبارك، ووالد الفقيد وصديقي علاء مبارك. نتضرع إلى المولى عز وجل أن ينزل الصبر والطمأنينة على قلب أم الفقيد وأبيه وعائلته، وأن يلهمنا جميعا الصبر والسلوان..

www.drhawass.com