كارثة سوات

TT

لا مؤشرات لقرب نهاية المعارك في إقليم سوات الباكستاني، لكن نذر الكارثة الإنسانية بدأت تلوح مهددة بواقع قد يعيد إنتاج نسخة ثالثة من طالبان مع تجاوز عدد نازحي الإقليم المليونين فيما يقبع آلاف آخرون تحت حصار يتهدد بقاءهم.

إنها حرب جديدة، وباكستان تشهد أكبر عملية نزوح داخلي منذ انفصالها عن الهند.

إنها حرب تجري وسط شح معلوماتي وبصري لا تعوضه التقارير السريعة والتسريبات الرسمية أو اللقطات البعيدة لجموع الهاربين من موت محتم أو لبعض المقاتلين والضحايا.

سوات إقليم منكوب.

تعقيدات محلية ودولية فرضت سيطرة المتشددين أو مسلحي طالبان على المنطقة، واليوم تحاول الحكومة الباكستانية التي تقاعست سابقا فرض سيطرتها واستعادة سلطتها على الإقليم الذي حولته طالبان إلى قندهار صغيرة، ولكن وفي مقابل ما فرضته طالبان وما مارسته من جَلد للنساء ومن إعدامات ميدانية، ثمة صور عن ممارسات يرتكبها الجيش الباكستاني في حق معتقلين من طالبان ومن القاعدة أيضا.

حتما ليست القضية بهذا التبسيط، فهذا الإقليم ينطوي على تعقيدات وتقاطعات تتجاوز باكستان وأفغانستان، لكن محاولات الاقتراب من الواقع القائم سواء قبل هذه المعارك أو الآن يصطدم بعقبات.

تراجعت أعداد الصحافيين الذين يغطّون أحداث سوات بعد أن فر قسم كبير منهم خوفا على سلامتهم، وتوقفت جميع الصحف عن الصدور، كما باتت تقارير المواقع الإخبارية الإلكترونية نادرة، ومن بقي من سكان الإقليم لم يعد بإمكانه متابعة الفضائيات بعد أن دمرت طالبان شبكة الكابلات الوحيدة التي كانت تمدهم بتلك الخدمة. أما السلطات الباكستانية فقد فرضت حظر تجول شمل عمال الإغاثة والصحافيين الذين نادرا ما تتعامل معهم حركة طالبان بتسامح، خصوصا من يستخدم عبارة مقاتلين بدلا من «مجاهدين» في تغطيته.

كم هي أعداد الضحايا من المدنيين؟

هل تقوم طالبان بعمليات إعدام سريعة لمواطنين في الإقليم؟

هل سيؤدي تكتيك الجيش الباكستاني بمنع الغذاء والمياه النظيفة عن السكان إلى هزيمة طالبان أم إلى فناء أبناء سوات؟

مرة جديدة يتم التلاعب بمصائر الفقراء بعد أن أُلقي بهم في أيدي الجماعات المتطرفة، ولإنقاذهم يفرض عليهم المزيد من المعاناة.

ظروف معقدة وكئيبة وأخطاء متراكمة تحيط بسوات وبباكستان كبلد يبدو أنه على حافة الانفجار، وهذا الانفجار إن حدث فهو لن يقتصر في مفاعيله على باكستان وحدها.

الصحافة لا تمارس دورها في هذه الحرب، وعندما نقول الصحافة لا نعني الصحافة الباكستانية إنما الإعلام العالمي. ثمة مليونان ونصف المليون من النازحين، وثمة مدينة هي منغورا شبه مدمرة.

لم تصلنا صور المدينة. فقط شاهدنا صور أب يحمل ابنته المصابة، يحملها ببطء وكأن وصوله بها إلى مستشفى أمر متعذر.

كان ذلك من المشاهد القليلة التي بثتها القنوات العالمية، ولكنه مشهد يشعر متلقيه بالحاجة إلى المزيد كي يعرف ماذا يجري هناك.

الأرجح أن يتمكن الجيش من السيطرة على سوات، لكن هذا لا يعني أننا لسنا أمام دارفور أو صومال جديد...

diana@ asharqalawsat.com