مصعد الكتَّاب

TT

بحثت هذا الصباح في الصحف. ثم في الكتب. ثم في الذاكرة. ثم في الذكريات وفي الدفاتر. وفي السياسات. ولم أعثر على شيء. وتخيلت كتاب المسلسلات التاريخية وكتاب العلوم وكتاب السينما، عالقين جميعا في هذا المصعد المتوقف بين طابقين، يقرعون على بابه بقوة طالبين النجدة، صارخين على أمل أن يسمعهم أحد، ثم معولين على أمل أن يعولوا على شيء، على سلك كهربائي مفاجئ يحرك هذا المصعد، على أمل أن يمر طفل على الدرج لم يذهب إلى مدرسته هذا الصباح، طفل تصنَّع المرض وادعى الحمى، إلى أن فات موعد الذهاب إلى المدرسة، فقفز من الفراش مثل القرود الساخرة، وتسلل خارج المنزل يريد اللهو، فاكتشف أن المصعد معطل، وأن فيه كاتباً يومياً وكاتب سيناريو وكاتب مسلسلات وشاباً على موعد مع المأذون وفي آخر المصعد محسن السكري، مرتبطاً بموعد شديد الأهمية في دبي.

لكن لا شيء ولا أحد. المصعد معطل والمبنى خال. وحتى جابي الكهرباء وقارئ عدادات المياه لم يطل هذا الصباح. ولا صبي الدكان الذي يزعم أنه يحمل باقة من البقدونس إلى الطابق الثالث لكي تفتح له الباب الشغالة الآسيوية. لا أحد ولا شيء ولا صوت. وهؤلاء السادة، وأنا، الداعي لكم بطول العمر، نريد أن نكتب شيئا ما. لكن ليس أي شيء. عادة، في مثل هذا القحط المطلق، نلجأ إلى الانتخابات الأميركية. أو إلى الصهيونية. ورحم الله نبيل خوري وظرفه. فقد علق في هذا المصعد ذات مساء وموعد السهرة ينتظره. عبثاً فكر في موضوع يكتب عنه. وصدفة وقعت عينيه على مجلة غلافها صورة مارلون براندو فهتف صارخاً وجدتها. وجدتها. أو بالأحرى وجدته وجدته.

وسحب ورقة واستل قلماً وكتب: امنعوا هذا الصهيوني! وذهب وسهر كالعادة حتى صياح الديك. ولم يكد يغفو حتى رنَّ الهاتف وعلى الطرف الآخر مدير مكتب مقاطعة إسرائيل، يعتذر لأنه تأخر في منع أفلام براندو، ويطلب من نبيل أسماء الأفلام التي توجب ذلك. وطلب نبيل مهلة أسبوع. وبعد أسبوع وجد نفسه عالقاً في المصعد. وموعد السهرة ينتظر. ولا موضوع مثيراً يكتب عنه. وبكل ظرفه ولماحته وقلة صبره على العمل، سحب ورقة واستل قلماً وكتب: لا تمنعوه. ليس صهيونياً.

المصعد متوقف ولا انتخابات أميركية قريبة ولا أريد أن أكتب أي شيء. ولم تساعدني الكتب والنصوص الأدبية. والانتخابات اللبنانية التي كانت مملة فصارت معلة. وأحياناً تنقذني اللغة التي أهواها لكن المزاج نكد ولم يطلع معي سوى أن أتساءل أو أن أتصاءل، بلغة البيارتة، لماذا يا عزيزي الجاحظ، البيان والتبيين. فمن ملك الشمس فلماذا الدليل عليها؟ والمصعد معطل. وقد استطعت أن أكتب كل هذا. لكني لا أدري ماذا فعل كاتب السيناريو والتاريخ. وأما محسن السكري فقد انتقل موعده من مارينا دبي إلى مارينا ليمان طره.