حتى لا يكون ما سيأتي به أوباما مفاجأة مــربكة

TT

سيكون في انتظار ما سيقوله الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة يوم الخميس المقبل، وعلى أحر من الجمر، العرب والفلسطينيون والإسرائيليون وأهل هذه المنطقة كلهم، حتى بما في ذلك إيران بالطبع. والمفترض في ضوء هذا الذي سيقال أن يدخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة واعدة وأن تضع أزمته الطويلة المستعصية قدميها على بداية طريق آخر غير الطريق الشائك الذي بقيت تسير عليه منذ إنشاء الدولة الإسرائيلية في عام 1948 بل وقبل ذلك عندما أعطى «بلفور» باسم بريطانيا العظمى وعده المشؤوم في عام 1917.

هناك ملامح وخطوط عامة لما سيقوله أوباما يوم الخميس المقبل، وهناك تصورات لحدود هذا الذي سيقال جرى استشرافها في ضوء الزيارات والاتصالات التي تكثفت خلال الأسابيع القليلة الأخيرة، وآخرها زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) إلى واشنطن التي كانت سبقتها على الجانب العربي زيارة العاهل الأردني عبد الله الثاني وزيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط ورئيس المخابرات المصرية عمر سليمان، وأيضا، وكما هو معروف، زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي عاد منها مقطب الجبين وفي ذروة التوتر والعصبية.

كل هذه التصورات والتقديرات بالاستناد إلى تصريحات أوباما نفسه وتصريحات نائبه جوزف بايدن وتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون تؤكد أن محور ما سيقال يوم الخميس المقبل هو مبادرة السلام العـربية التي أساسها حلُّ الدولتين، أي دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة الإسرائيلية، مع حلِّ القضايا الأخرى العالقة ومن بينها قضية اللاجئين وحق العودة على أساس القرارات الدولية المعروفة ومن بينها قرار مجلس الأمن الشهير رقم 194.

وبالطبع فإن كل هذه الخطوات المرتقبة يجب أن تسبقها ثلاثة إجراءات حُسْنِ نوايا من قبل الإسرائيليين، من بينها وقف عمليات الاستيطان بكل أشكالها وإزالة حواجز الجيش الإسرائيلي التي تُقطِّعُ أوصال الضفة الغربية وتُعقِّدُ حياة الفلسطينيين اليومية، وفك الحصار عن قطاع غزة، بحيث تصبح هناك إمكانية فعلية لإعادة بناء ما دمرته فيه الحرب الإسرائيلية الأخيرة.

إن هذه مجرد تصورات وتقديرات ربما لا تكون دقيقة، ولكنها في كل الأحوال في ضوء كل ما قيل، إن من قبل الأميركيين أو من قبل العرب أو من قبل غيرهم، تشكل جوهر الخطة المرتقبة التي سيعلنها باراك أوباما يوم الخميس المقبل والتي دأبت فرق عمل أميركية مختصة على بلورتها استنادا إلى مبادرة السلام العربية وإلى كل وجهات النظر التي سمعها الرئيس الأميركي من العرب ومن الفلسطينيين والإسرائيليين وأيضا من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وكل دول العالم المتابعة لقضية الشرق الأوسط والتي يهمها أن تحل هذه القضية الحل العادل المقبول. والملاحظ، وهذا شيء متوقع وغير مستغرب على الإطلاق، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان قد أطلق تصريحين مدويين، الأول قبل زيارته الأخيرة إلى واشنطن وقال فيه إنه لا انسحاب إطلاقا من هضبة الجولان (السورية المحتلة) لأنها تشكل عنصرا في غاية الحيوية بالنسبة لأمن الدولة الإسرائيلية، والثاني بعد العودة من هذه الزيارة مباشرة وقال فيه إن القدس الموحدة وغير المجزأة ستبقى عاصمة إسرائيل إلى الأبد.

لكن الملاحظ أيضا أن نتنياهو وبعد أن لمس جدية أميركية وتصميما من قبل الرئيس أوباما وكل أركان إدارته ومعهم الكونغرس وكل مراكز صنع القرار والرأي العام الأميركي على حل أزمة الشرق الأوسط وفقا للتصورات المطروحة، بات يتصرف بارتباك واضح حيث أبدى، خلافا لما كان قاله حول هضبة الجولان (السورية المحتلة)، استعدادا للانخراط مع السوريين في مفاوضات فورية «بدون شروط مسبقة» هذا مع أنه هو الذي كان قد بدأ بالشروط المسبقة، ومع أن سوريا عندما تصر على ضرورة انسحاب إسرائيل حتى حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 فإنها تطالب بحق لا يجوز التنازل عنه وهذا لا علاقة له بالشروط المسبقة. لقد شعر نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن أن هذه الإدارة الأميركية تتحدث بالنسبة لأزمة الشرق الأوسط بلغة غير لغة كل الإدارات السابقة، ولذلك فإنه عاد من هذه الزيارة وهو لا يعرف ما الذي سيفعله لتغيير مسار هذا التيار الجارف، فمرة يقول إنه لا انسحاب من الجولان، ثم يعود ليعرض مفاوضات مع السوريين «بدون شروط مسبقة»، ومرة يبدي نوعا من المرونة ويعلن استعداده لاستئناف العملية السلمية مع الفلسطينيين لكنه لا يلبث أن يتحدث عن القدس بالطريقة الآنفة الذكر التي تحدث بها والتي أعقبتها تصريحات أكد فيها مواصلة الاستيطان في الضفة الغربية، وهذا يدل على الارتباك ويدل على فقدان الصبر وعدم معرفة ما الذي يمكن فعله لتغيير الأولويات التي سيأتي بها أوباما لحل مشكلة هذه المنطقة.

والواضح ورغم كل هذا القصف العشوائي الذي لجأ إليه نتنياهو بعد عودته من زيارة واشنطن الأخيرة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يستطيع ليَّ ذراع الإدارة الأميركية وأنه سيدفع الثمن في النهاية إن هو لم يبادر ومنذ الآن لتكييف أوضاعه وأوضاع حكـومته وفقا للمعطيات المستجدة، أميركيا ودوليا، التي يؤيدها قطاع واسع من الإسرائيليين الذين رغم قناعاتهم الخاصة إلا أنهم يرون أن الذهاب بالتصعيد مع أميركا حتى حـدود الصدام خط أحمر لا يجب الاقتراب منه وغير مسموح به على الإطلاق. وهكذا فإنه ليس أمام بنيامين نتنياهو إلا: إما أن يركب رأسه ويدفعه الغرور إلى الاستمرار بمواقفه ومواقف شركائه في هذه الحكومة البائسة فتكون نهايته إلى مزبلة التاريخ كنهاية سلفه إسحق شامير، أو يتحلى بالمزيد من الواقعية ويبادر إلى استبدال حكومته بحكومة جديدة يحل فيها حزب «كاديما» محل حزب «إسرائيل بيتنا» وتحل فيها المجموعة العربية في الكنيست الإسرائيلي ومعها نواب اليسار محل الأحزاب اليمينية الصغيرة المتطرفة. وهنا فإنه على العرب أن يعرفوا كيف يساعدون أوباما وأن يتفقوا على هذا منذ الآن، فما سيقوله الرئيس الأميركي في إطار خطته التي سيعلنها الخميس المقبل لن يلبي بالتأكيد كل المطالب العربية، وهو سيكون حمـال أوجه وبخاصة لجهة موضوع اللاجئين الذين يرى الأميركيون ومعهم الأوروبيون ورأي عام غالب ضرورة عودة غالبيتهم إلى مناطق الدولة الفلسطينية المنشودة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

يجب أن يعرف العرب كيف يتصرفون هذه المرة ويجب أن يدركوا أن أي خطأ يقعون فيه بالنسبة للتعاطي مع ما سيقوله أوباما يوم الخميس المقبل ستستفيد منه دولة إسرائيل، فالواقعية هي المطلوبة، وبالتأكيد هناك مواقف عربية بالنسبة لهذه المسألة التي هي منعطف تاريخي ستكون نسخة كربونية عن الموقف الإيراني، والمثل يقول: «إن الذي يده في الماء ليس كالذي يده في النار»!

إنه على العرب الذين أيديهم في النار أن يبادروا منذ اليوم، إن لم يكونوا قد بادروا قبلا، إلى الاتفاق على كيفية التعاطي مع ما سيأتي به أوباما، وهذا قد يقتضي قمة مصغرة للذين يهمهم الأمر، فالأمور ليست سهلة على الإطلاق وهناك فرصة يجب ألا تضيع كما ضاعت فرص كثيرة سابقة.

إنه لا بد من التعاطي مع هذه المسألة بكل شجاعة، ويجب أن يدرك العرب الذين يهمهم الأمر والذين أيديهم في النار وتشكل القضية الفلسطينية همهم الذي لا يتقدمه أي هم آخر، أن هناك مزايدين وأن هناك أصحاب أجندات إقليمية وأنه لا يجوز أن تضيع هذه الفرصة السانحة، حيث لأول مرة تضع إدارة أميركية إسرائيل في الزاوية الحرجة، ولأول مرة تكون هناك جدية بمستوى العالم كله لحل أزمة الشرق الأوسط، الحل الذي قد لا يلبي طموحات الفلسطينيين والعرب كلها، ولكنه في كل الأحوال هو الحل الذي لا حل غيره في ظل موازين القوى القائمة الآن.