أية مشاعر تحرك أوباما؟

TT

سؤال وجيه طرحه رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على شلة صغيرة من المقربين إليه في واشنطن، في أعقاب لقاءات دامت أكثر من أربع ساعات مع الرئيس الأميركي باراك أوباما تخللتها «مبارزة» كلامية لم تفلح في إقناع أوباما بالتفسير التوراتي للوجود الإسرائيلي في الشرق الأوسط و«الهولوكوست» الذي قد يتعرض له.

تساؤل نتنياهو عما يحرك مشاعر أوباما عكس فشله في إشاحة نظر الرئيس الأميركي عن نكبة الفلسطينيين الحالية بالتركيز على «عبر» التاريخ بالمنظور اليهودي. وهذا الفشل أعطى مردوده الأولي في إشارة نتنياهو، الأحد الماضي، وللمرة الأولى منذ انتخابه، إلى «دولة فلسطينية» (رغم بعض التحفظات عليها).

خطوة أولى في نزول نتنياهو من أعلى درجة يتربع عليها في سلم رفض الدولة الفلسطينية، وصعود أوباما، بالمقابل، على سلم الانفتاح على القضية الفلسطينية كما صعود السلم درجة درجة، كذلك يكون نزوله، درجة درجة.

أهمية هذا «النزول»، الذي ربطه نتنياهو ب«اتفاق على الوضع النهائي»، أنه يأتي في مطلع ولايته كرئيس لحكومة إسرائيل وأيضا في بداية ولاية الرئيس أوباما في البيت الأبيض.

من المبكر طبعا التحدث عن نتنياهو «متجاوب» مع رؤية الإدارة الأميركية الجديدة لسلام الشرق الأوسط، فهو لا يزال يتحداها في وقف «توسيع» المستوطنات ولا يزال مصرا على اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل وعلى مواصلة أعمال البناء فيها. ولكنه، بالمقابل، اضطر بعد جلسة واحدة مع أوباما إلى الإعلان عن «تنازله»، ولو مبدئيا، عن بناء مستوطنات جديدة في الضفة والسماح لوزير دفاعه، إيهود باراك، بإزالة 22 بؤرة استيطانية عشوائية (من أصل مائة بؤرة)، سواء بالتفاهم مع قادة المستوطنين أو بالقوة.

بداية متواضعة جدا على طريق التسوية الأميركية لنزاع الشرق الأوسط، ولكنها بداية النزول، درجة درجة، من أعلى السلم. وإذا جاز تقييم نوعية علاقة نتنياهو ـ المتمرس بالجدلية السياسية ـ بالرئيس أوباما، على خلفية نتائج لقائهما الأول يجوز توقع المزيد من «النزول» الإسرائيلي على سلم التسوية السلمية. وفي هذا السياق قد يكون المثال الأبرز على فشل نتنياهو في تغيير قناعات أوباما إخفاقه في حمله على مراجعة مفهومه لأبعاد الرابط بين «الخطر» الإيراني والقضية الفلسطينية، فعلى هذا الصعيد لم يكن أوباما جازما فحسب في رفضه المنطق الإسرائيلي الداعي إلى تخلي إيران عن برنامجها النووي «قبل» استئناف إسرائيل محادثات السلام، بل ذهب إلى حد قلب هذا المنطق رأسا على عقب بالتأكيد على أنه «إذا كان هناك ثمة رابط فهو العكس تماما»، أي أنه بقدر ما تتحقق خطوات ملموسة على درب السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، يتعزز دور المجتمع الدولي في التعامل مع التهديدات الإيرانية.

باختصار، في واشنطن رؤية جديدة لسلام الشرق الأوسط واستقراره، تنطلق من المصدر الفعلي لمتاعبه: القضية الفلسطينية.

مع ذلك لا يبدو أن العالم العربي تأقلم، حتى الآن، مع سعي إدارة باراك أوباما إلى تجاوز عقدة «11 سبتمبر» التي قولبت السياسة الأميركية في الشرق الأوسط طوال عهد جورج بوش، واختصرتها بحشر كل الحركات الإسلامية في العالم، أصولية كانت أم قومية، في بوتقة واحدة أسمتها «الإرهاب».. فكان أن عممت مشاعر «الإسلاموفوبيا» في الغرب وحللت الخلط بين الجهاديين الأصوليين والمقاومين القوميين.. وأعفت إسرائيل من مسؤولية التفاوض مع الفلسطينيين.

قد تكون هذه التحولات الجذرية في المقاربة الدبلوماسية الأميركية، والغربية عموما، للعالم الإسلامي في بداياتها، ولكن يمكن قراءتها بوضوح من خلال كلمة وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليبند، في معهد الدراسات الإسلامية في أوكسفورد، التي دعا فيها إلى «رفض الصورة النمطية» للعالم الإسلامي التي ردّها إلى عدم التفريق «ما بين المشاركين المنخرطين في كفاح وطني بشأن الأراضي ومن يسعون لتحقيق أهداف عالمية أو إسلامية، وبين الذين يمكن اجتذابهم للمشاركة في العملية السياسية المحلية وأولئك المناهضين للعملية السياسية وينتهجون العنف».

تجربة دهر لا تلغيها ثلاثة شهور من ولاية أوباما في البيت الأبيض مهما بدت واعدة، فالسمعة السيئة لسياسة الولايات المتحدة ما زالت طاغية على الآمال المعقودة على أوباما في كل استطلاعات الرأي العربية.. فهل يكون الخطاب المتوقع أن يوجهه إلى العالم الإسلامي من القاهرة، في أوائل يونيو (حزيران) المقبل، بداية مشجعة لهذه الآمال؟