تشيني: من التواري إلى متحدث بارز باسم المعارضة المحافظة

TT

عندما شاهدت ديك تشيني وهو يدافع عن وسائل التحقيق التي انتهجتها إدارة الرئيس بوش مع معتقلي غوانتانامو، كان من الصعب تجاهل الانطباع بأن الحزب الجمهوري والولايات المتحدة كانا سيكونان أفضل حالا اليوم، لو أن تشيني كان مرشح الرئاسة لعام 2008، بدلا من ماكين.

من المؤكد أن تشيني ذاته يشعر بهذا الانطباع، وقد كانت المقابلة التي أجراها معه شين هانيتي مؤخرا، التي كانت في مجملها انتقادات لطريقة إدارة أوباما للبلاد، أحدث الحلقات في مسلسل تحول نائب الرئيس السابق غير المتوقع ـ حتى بالنسبة للسياسيين الجمهوريين غير المرحبين بأوباما ـ من التواري خلال موسم الانتخابات إلى متحدث بارز باسم المعارضة المحافظة. ويبدو أن جورج بوش سعيد بعودته إلى الحياة المدنية، لكن تشيني نقل المعركة إلى البيت الأبيض كما لو كان لا يمانع من الترشح لفترة رئاسية ثالثة من عهد بوش ـ تشيني.

تخيل للحظة أنه قد واتته تلك الفرصة، وتخيل أنه تفوق في الانتخابات، وحنث بوعده عندما قال إنه لا توجد لديه طموحات رئاسية ذاتية، وشق طريقه في السباق الانتخابي. وتخيل لو أن الناخبين الجمهوريين الأساسيين الأكثر ميلا لتشيني من غالبية الأميركيين والإدارة التي خدمها، كافأوه بالترشح.

من المؤكد أن سباق أوباما تشيني سيوضح المأزق السياسي الحالي لمذهب المحافظين. ففي أعقاب هزيمتين منكرتين في استطلاعات الرأي، أعرب الكثير من اليمينيين الأميركيين عن اعتقادهم بأن المحافظين فقدوا البلاد، لأن الحزب الجمهوري في إدارة بوش أنفق الأموال الطائلة على البرامج الاجتماعية، واعتبروا هزيمة ماكين تبريرا لذلك.

لقد حاولنا أن نرشح الإصلاحي القوي، ولكن انظر ما الذي جنيناه. إن ما يرغب فيه الأميركيون هو «مذهب المحافظين الحق».

والمقصود بـ «مذهب المحافظين الحق» هنا هو ضرب من اليمينيين: مذهب يميني في الاقتصاد ومواقف الضغط وغير مكترث بالسياسة الاجتماعية التي لا تبالي بوخز الضمير تجاه المذاهب التي تتخوف على حالة الأمن القومي. الذي حدث أنْ صار ديك تشيني ممثلا لذلك النهج. وقد دأب نائب الرئيس السابق على النأي بنفسه عن محاولات إدارة بوش في الإصلاح الداخلي، ولم يكن يملك الكثير من الوقت من أجل الأجندة السياسية المثالية لرئيسه، التي كانت تحركها نزعات دينية. كان تشيني مؤيدا لخفض الضرائب في الداخل الأميركي والحروب الاستباقية الخارجية، أما ما عدا ذلك، فقد كان يترفع عنه.

وذلك تحديدا هو «نهج المحافظين» الذي هيمن على الحزب الجمهوري الذي انخفضت شعبيته بصورة كبيرة اليوم، بدءا من البرامج الحوارية في الراديو إلى قاعدة الحزب من الأميركيين. وكان من الممكن أن يعمل ترشح تشيني للرئاسة كاختبار متنور على قدرة الحزب على الحياة.

كان من المتوقع أن يكون تشيني، دون شك، أكثر تنظيما وأيديولوجية، كما كان ماكين ضعيفا. وخلال المناظرات مع باراك أوباما كان سيصبح أكثر فعالية، كما كان في محادثاته مع جوي ليبرمان، وجون إدواردز في عامي 2000، و2004 على التوالي. وعندما يتعرض لخسارة فادحة، ربما تدخل حركة المحافظين في نوع من إعادة التفكير الضروري، إذا ما كانت ترغب في استعادة السلطة مرة أخرى.

وإذا كان من الممكن أن تكون هزيمة تشيني مفيدة للحزب الجمهوري، فإن حملة تشيني كان من الممكن أن تكون جيدة للبلاد. فهجوم نائب الرئيس السابق الذي جاء بعد الانتخابات على أوباما صورة سيئة بالطبع، وفق قوانين مميزة لآداب واشنطن، لكنها جزء من النقاش بشأن وسائل وأهداف أساليب التحقيق التي كنا نمارسها، وكان يجب أن تحدث خلال الانتخابات العامة، ولم تحدث لأن ماكين لم يكن من المؤيدين لأسلوب إدارة بوش، ولم ير أوباما أي فائدة في التطرق إلى هذا الأمر.

إنه ليس بمفرده في هذا الأمر، فنسبة كبيرة من الطبقة السياسية ترغب في تجنب المناقشة بشأن التعذيب، وقد دعمت إدارة أوباما ذلك الموقف أخيرا، ويبدو أنها ترغب في التراجع عنه مرة أخرى.

لكن النقاشات لن تنتهي، وستظل معنا، طالما أن خطر الإرهاب لا يزال قائما، وما دامت أساليب التحقيق التي انتهجتها إدارة بوش موضع تساؤل، ولقد سمعنا الكثير الذي يجعلنا نتطلع إلى أن يجعلنا الرئيس كذلك. ونحن بحاجة إلى أن نسمع المزيد: ما الذي جرى؟، ومن الذي أمر به؟، وما هي المعلومات الاستخبارية التي حصلنا عليها منها؟، وليس من الذي يمكننا أن نحاكمه ـ ما لم يكن الحزب الديمقراطي قد أصيب بالحمق ـ حتى نتعلم ونصدر حكمنا ونناضل للحصول على إجماع لشجب ذلك.

ولديك تشيني - الذي تحثه سخريات التاريخ على المطالبة بكشف كبير عن البرامج التي سعى من قبل لكي تكون سرية تماما - دور كبير ليلعبه. إنه يرغب في الدفاع عن سجله، فدعوه يدافع عن سجله، ودعوا البلاد تقرر.

*خدمة «نيويورك تايمز»