لقد تعبت من الحب

TT

لست من المغرمين بأكل البيض.

ولكنني في هذا الصباح، وعندما نزلت إلى مطعم الفندق، أخذت أتأمل مجموعة من البيض المسلوق في «بوفيه» المطعم، وأخذت إحداها ووضعتها في طبقي، وعندما جلست على الكرسي قلبتها بيدي ذات اليمين وذات الشمال، ثم قذفت بها عاليا والتقطتها قبل أن تسقط، وتيقنت أنها مرت بمراحل «ديناميكية» هائلة، فتلك البيضة التعيسة قبل أن تصل إلى الأفواه والبطون، كانت في متجر ليبيعها، ثم نقلتها شاحنة، وقبل ذلك عبأها مزارع، وقبل القبل هناك دجاجة قد باضتها، كما أن تلك الدجاجة لكي تعيش وتبيضها لا بد لها وأن تأكل الحبوب، والحبوب لا بد لها أن تُزرع وتُسقى وتُحصد، وهذا لا يتأتى إلا بالمعدات الزراعية، التي لا بد وأن تصنَّع، لتنقل البيضة بعد ذلك إلى الشاحنة التي ذكرتُها سابقا، وهذه الشاحنة لا يمكن أن تسير إلا بالبنزين أو الديزل، وهذه لا يمكن أن تستخرج إلا بعملية شاقة ومعقدة.

وعندما وصلت إلى هذا الحد عرفت أنني لو استمررت في «هذري وخيالي» هذا فإنني لن أصل إلى نهاية، عندها رجعتُ البيضة العزيزة إلى مكانها سالمة آمنة.

وما كدت أفعل ذلك، وقبل أن أبرح موقعي من «البوفيه»، وإذا برجل «طبّق لحما وشحما» يلتقطها، وراقبته عندما جلس على كرسيّه، وإذا به يقشرها دون أية شفقة أو رحمة، وازدردها على دفعتين وهو يتكلم مع صاحبه على الطاولة، وصفارها وبياضها يتناثر بين أشداقه.

ولا أدري هل ما زالت أمها على قيد الحياة تبيض؟! لك الله أيتها الدجاجة.

***

من أحكم الناس الذين مرّوا عليّ في حياتي رجل شبه أمّي و«على باب الله»، لكنه «محندق».

قال: هل تريد أن تكون أكثر سعادة؟!

نظرت إليه بعين شبه دامعة، وكأنني أقول له: وهل هذه تحتاج إلى سؤال؟!

قال: إذن تخيل أنك فقدت كل ممتلكاتك، وفقدت معها كل أحبابك وأقاربك وأصحابك، وأصبحت وحيدا وشريدا وطريدا، ثم عادت لك فجأة كل هذه التي فقدتها دفعة واحدة ودون سابق إنذار، فماذا سوف يكون شعورك؟!

قلت له: لا شك يقينا أنني سوف أفرح بعودة ممتلكاتي وأحبابي، ونوعا ما أقاربي، أما أصحابي فسوف يكون لي معهم «كلام ثانٍ»، فمنهم «صوير وعوير واللي ما فيه خير».

***

قال لي: إذا أردت أن تكون محبوبا، فلا بد أن تحب أولا.

قلت له: يعني لا بد؟! والله إنها لمشكلة (!!)، لقد تعبت يا سيدي من الحب، كما أنه هو أيضا تعب مني.

[email protected]