سبقونا رغم هذه العاهة!

TT

حكمة تقول: كل ذي عاهة جبار.

والمعني أن صاحب العاهة فيه قسوة وغلظة، لأن لديه إحساسا بالظلم. وربما كره كل الناس لأنهم بلا عاهة.. وربما كان حاقدا غليظا. ولا ألومه..

غير أنني عرفت عددا من العظماء ذوي العاهات. ولم أجد أحدا منهم جبارا ولا متجبرا ولا حقودا عقورا..

طه حسين العظيم أستاذنا وأبونا وأخونا في غاية الرقة. ودود حليم يسألك ويسأل عنك وفى كل الأحوال سعيد بأنه يلقاك..

وإبراهيم المازني أعرج. وكان مفكرا وفنانا لطيفا خجولا..

ومصطفي صادق الرافعي أطرش. وإن كان أحد قد شكا منه فالأديبة مي زيادة، لأنه ادعي أنها تحبه. أما أنه كان يحبها فلم يُخفِ ذلك وإنما جاء في كتبه: «السحاب الأحمر» و«أوراق الورد» و«رسائل الأحزان»..

وأمير الشعراء شوقي والشاعر الرومانسي إبراهيم ناجي كلاهما يثأثئ ويتلعثم. وكانا ألطف الناس وأحبهم للناس أيضا.

والعالم الفيزيائي الكبير هوكنج مشلول الحركة والنطق. أما عقله فمن أروع العقول.

وسيدة المسرح الفرنسي سارة برنار كانت بساق واحدة. وكانت تهز المسرح والمتفرجين. تحب الناس ويحبونها..

والأديب الإسباني ثرفانتس مؤلف «دون كيخوته» فقد ذراعه اليسرى في الحرب.

والرئيس الأمريكي روزفلت أصيب بشلل الأطفال وكان يتحرك على مقعد له عجلات، ومن أعظم رؤساء أمريكا..

والرسام الشهير لوتريك كان أعرج.. وكان خفيف الظل ممتع الحديث.

والموسيقار بيتهوفن قد أصيب بالصمم في سنواته الأخيرة. والذي كان يعذبه هو أن يرى الناس تموج وتتحرك وتصفق. ولا يعرف إن كان إعجابا به أو احتجاجا عليه!

ولكن من المؤكد أن هؤلاء العظماء كانوا جبابرة على أنفسهم ويسهرون ويغرقون ويأرقون حتى لا يقال إنهم أصحاب عاهات، فهم دون البشر. سألت الأستاذ فريد شحاتة سكرتير طه حسين قال لي: يدهشك أن تعلم أنه أحيانا يظل ساهرا أقرأ له حتى يغلبني النوم. أما هو فلا..

وكذلك السود.. يرون أن اللون عاهة ولذلك يقفزون من فوق حاجز اللون فيتفوقون على البيض في الكرة وفى الرقص والغناء.

لقد أضافت إليهم عاهاتهم رصيدا استراتيجيا فسبقوا البيض إلى العظمة!