عندما قفز المالكي من «النافذة»

TT

أعلنت رئاسة الوزراء العراقية عن تدشين ما سمته «نافذة للتواصل» بين رئيس الوزراء العراقي والإعلام والإعلاميين، لكن ما حدث هو العكس. فبدلا من أن يستغل السيد نوري المالكي تلك النافذة للتواصل، قام وقفز منها على كل شيء، قفز على اللياقة الدبلوماسية، وعلى الحقائق، حين خرج بتصريحات مستفزة حول جارته السعودية.

المالكي يقول إن جميع مبادرات العراق تجاه السعودية قد استُنفدت، وإنها «فُهمت ضعفا وسلبا»، وإن على السعوديين أن يبادروا الآن تجاه العراق. والغريب في هذه التصريحات اللغة التهديدية فيها، وكذلك التوقيت.

فما المبرر لتلك التصريحات، خصوصا أنه لا يوجد في الأفق شيء يشي بتصلب سعودي تجاه العراق في أي قضية؟ صحيح أن علاقة الرياض ببغداد ليست إيجابية، لكن لا يمكن وصفها بالسلبية، فالسعودية لم تعادِ العراق، ولم تشرع في مشروع عدائي ضد بغداد.

كل ما يلمسه المراقب هو تجاهل سعودي لشخص نوري المالكي، من دون تصعيب مهمته، أو التصعيد ضده، سواء في تصريحات المسؤولين السعوديين، أو مواقفهم. ولذلك فإن انفعال المالكي ولغته تجاه السعودية، أمر غير مبرر، خصوصا أن رئيس الوزراء العراقي يعلم الأسباب الحقيقية جيدا، بحسب كثير من المسؤولين السعوديين. فقد سبق له أن زار الرياض، وسمع، واتفق على أشياء كثيرة، والسؤال الذي على المالكي الإجابة عليه هو: ما الذي نفذ من كل ما اتفق عليه؟ والإجابة: بالطبع لا شيء.

لكن من المستبعد تماما أن يكون السيد المالكي يريد حقيقة من تصريحاته الأخيرة تحسين العلاقات السعودية ـ العراقية، حيث إن ذلك أمر يتم بالحكمة والسياسة والعمل، وليس من خلال التصريحات المستفزة والهجومية.

الواضح أن المالكي فعل ما فعل لتحقيق عدة أهداف داخلية صرفة، لا علاقة للسعودية بها من قريب أو بعيد. فرئيس الوزراء العراقي أعلن للتو عن مشروعه السياسي الحالم بحكم الأكثرية، مع وقوع حكومته تحت مطرقة البرلمان العراقي في معارك الفساد.

فمن خلال الهجوم على السعودية يقوم المالكي بعملية هروب إلى الأمام، وشَغل الرأي العام العراقي بأمور جانبية تلهيهم بعيدا عن معارك الفساد تجاه الحكومة العراقية، وكذلك استغلال اسم السعودية في عملية الاصطفاف خلف مشروع المالكي السياسي. وكلنا يعلم أن المشروع السياسي الذي يدعو له المالكي حول حكم الأغلبية هو مشروع من الممكن أن يكون جيدا لو جاء من أناس ليسوا طائفيين، ولا يستقوون بالإيرانيين على أبناء شعبهم، وحتى ضد أبناء طائفتهم، ففي العراق أناس وطنيون كثيرون لا يقبلون الانضواء تحت العباءة الإيرانية.

مشكلة المالكي هي في فهم السياسة جيدا، وفهم المنطقة من حوله، فجيران العراق، وتحديدا العرب الحريصون على الاعتدال والاستقرار، والذين عانوا طويلا من مراهقات النظام السابق، لن يرضخوا لصدام صغير، وجديد.

كما أن مشكلة المالكي التي لم يتنبه لها إلى الآن، هي أن على الحكومة العراقية أن تسعى هي إلى لم الجميع حولها، سواء من العراقيين، أو الجيران، وذلك ليس بالاستجداء والتهديد، بل بلغة العقل، والحفاظ على المصالح المشتركة، وقبل هذا وذاك الوفاء بالوعود، والعهود.

[email protected]