دقة قديمة

TT

لا احب افلام العنف ولا افلام الرعب ولا افلام الجنس المكشوف. أين انا اذن من ثقافة معاصرة لم تعد تعترف بالحدود الجغرافية او الدينية او الانسانية؟

اضغط على زر التليفزيون وبعده زر القمر الصناعي تظهر لك خارطة البرامج والافلام فتوحي الي بأنني اختار ما شئت. ولكن هل أختار فعلا؟ القائمة طويلة ومتنوعة وجهاز التحكم عن بعد لا يفارق يدي حين افرغ من مهام يومي في العمل وفي ادارة المنزل. اجلس متمنية ان ارتاح وارفه عن نفسي قليلا قبل ان اخلد الى النوم.

اكتشفت مؤخرا ان جميع الافلام على القنوات العربية والاجنبية سواء لا تعترف بتيمات اخرى غير القتل والتعذيب والاغتصاب والتكنولوجيا المرعبة والتكهن بمستقبل على الارض تغزوه كائنات من الفضاء عاقدة النية على سحق المخلوقات البشرية سحقا. يغضب زوجي ويذكر بأن المؤامرة على المجتمعات ماضية في طريقها لتخريب الانسان من الداخل بحيث تتبلد مشاعره ويعتمد القتل والسحل والاغتصاب اسلوبا في التعامل مع الآخر لكي يتحول العالم الى غابة البقاء فيها للأقوى. اتنهد لأني لا استطيع الموافقة تماما على ما يقول ولكني لا استطيع ان افنده بحجة اقوى. فأكتفي بالبحث عن الافلام القديمة التي كانت تنقل الى المشاهد رسالة سهلة الفهم وسهلة الهضم عن اشرار يلقون نهاية سيئة واخيار يلقون نهايات سعيدة.

قد يظن البعض انني تعاملت مع هذا الواقع بالاسلوب الذي يتناسب مع طبيعتي المتفائلة التي تبحث عن حلول وسطى لكافة المشاكل التي تصادفني. ولكن هيهات. فانشغالي بالافلام ذات الرسالة البسيطة الساذجة كثيرا ما يعرضني لسخرية الابناء والاصدقاء الشباب الذين يعتبرون رفضي للثقافة التليفزيونية السينمائية المعاصرة هروبا من الواقع ورفضا لتقبل افلام توظف التكنولوجيا في اذكاء الخيال. تستوقفني المفارقة لأنني حين كنت شابة لم اتوقع ان اصبح يوما دقة قديمة متهمة برفض التغيير والتطور.

والحقيقة هي انني لا ارفض التغيير ولا ارفض التطور والدليل على ذلك انني انفقت جهدا ومالا ووقتا حين دخل الكمبيوتر حياتي. ولم اتقاعس ولم ارفض العودة الى مقاعد الدراسة لكي اتعلم تشغيل هذا الساحر الصغير الذي اصبح فيما بعد محور حياتي العملية ورفيق كل ايامي.

ولكن قبول كل تطور لمجرد انه تطور لا يعجبني. ولن اتنازل عن موقفي فيما يتعلق بآخر صيحة غزت عالمنا مؤخرا وهي ظاهرة الفيس بوك. فقد حملني حماس ابنتي واقرانها على تسجيل اسمي في الفيس بوك وما هي الا ايام معدودات وادركت انني محمولة على موجة شديدة السرعة لا يمكنني معرفة اتجاهها ولا معرفة متى تقذف بي الى شاطئ مجهول. فعزمت على الغاء اشتراكي. واكتشفت بحدسي ان تلك الشبكة هي افضل وسيلة لجمع المعلومات عن المشتركين: اين يقيمون وماذا يعملون ومن هم اصدقاؤهم وما هي مواقعهم على الخارطة الاجتماعية والاقتصادية وما هي انتماءاتهم الفكرية والسياسية. كل هذا وما نعرفه قليل عن اصحاب الفيس بوك ومخترعيه ومقاصدهم وعلاقتهم بالاجهزة الاستخباراتية والمعلوماتية في العالم.

حاول ان تنقل هذه الفكرة لشاب او شابة بين الثامنة عشرة والثلاثين فلن تلقى الا اتهاما بأنك تعيش في ظل نظرية المؤامرة في زمن انفتاح الشباب لأنك رافض للتطور.

بصراحة وبصوت عال اقول: تبا لذاك التطور.