في لقاء الداعية بالفنان

TT

الاعتراف الخجول بالفن الغنائي قضية تستوجب الدهشة، فعلى الرغم من حضور هذا الفن وأهله في أفراحنا، وأعيادنا، وإذاعاتنا، وتلفزيوناتنا، ومختلف مناسباتنا، إلا أن أحدا من أعضاء لجان تسمية الشوارع في أمانات المدن لم يمتلك الشجاعة ليقترح اسم فنان كبير راحل كطلال مداح على مسرح، أو شارع، أو حتى زقاق في أية مدينة رغم ازدحام مدننا بأسماء الكثيرين ممن لم يقدموا للوطن جزءا مما قدمه طارق عبد الحكيم، أو طلال مداح، أو محمد عبده، والسبب أن اعترافنا بالفن الغنائي لم يزل مترددا، وخجولا، وكلما تقدمنا خطوة في هذا الاعتراف تراجعنا إلى الخلف خطوتين، حتى الجمعية التي تهتم بالفن أطلقنا عليها اسم جمعية الثقافة والفنون؛ لنبرر بمفردة الثقافة وجودها، رغم أن للثقافة مؤسساتها وأنديتها.

أكتب هذا المقال وسط النقع، الذي أثاره خبر اعتزام الفنان محمد عبده غناء قصيدة للداعية عائض القرني، هذا الخبر أثار شهية منتديات الإنترنت، فأقام بعضها ولائم لحفلات الكلام، منهم من ارتأى في مباركة القرني لهذا التعاون الغنائي، أو الإنشادي خروجا عن السائد، والمألوف، والمتعود، وانقلابا على صورة الفنان، التي أحاطها «البعض» زمنا بالاستهجان، والاستنكار، والرفض، ومنهم من وجد في إقدام محمد عبده على غناء هذا النص ـ باشتراطات كاتبه ـ محاولة ذكية لتجسير العلاقة مع شريحة بينها وبين الفن الغنائي جفوة، ونفور، وصدود.

أن يأتي الاعتراف اليوم بمحمد عبده من قبل داعية كبير كعائض القرني، فيقول عنه: «إن فنان العرب عظيم في مجاله مثلما كان المتنبي عظيما في الشعر»، وانه يريد من خلال التعاون مع محمد عبده إرسال رسالة إلى الملايين عبر هذا الصوت الشجي، ففي هذا الاعتراف إقرار بدور الفنان، وبإمكانية توظيف الفن لإيصال رسائل ذات مضامين إنسانية وأخلاقية سامية، وهو الأمر الذي لم يجرؤ على قوله الكثيرون.

أتمنى أن يأتي اليوم الذي ترتقي فيه نظرتنا إلى الفن إلى مستوى الدور الذي يمكن أن يضطلع به في حياتنا، فالحياة تغدو بالفن أجمل، وأسمى، وأنقى، وأن تصل مكانة الفنان إلى الصورة التي عبر عنها إمبراطور فرنسا، حينما اصطف على بابه النبلاء لزيارته فتجاوزهم جميعا ليعود الفنان دافينتشي المريض، وهو يردد: «أنا أصنع النبلاء بالمئات، أما فنان مثل دافينتشي فالله وحده القادر على خلقه».

[email protected]