إعدام المتهمين بعد يومين فقط

TT

يجب ألا يختلط الأمر علينا، فالتفجير الذي استهدف مسجدا في مدينة زاهدان الإيرانية وقتل عشرات المدنيين، عمل إرهابي مهما حاولت منظمة جند الله، التي أعلنت مسؤوليتها عن العملية, تبريره. فاستهداف المساجد ودور العبادة عمل جبان، ويقع في قمة الجرائم المرفوضة مهما كان الفاعل. وسبق لي أن قلت الشيء نفسه من قبل حيال ما قامت به هذه الجماعة من خطف وتفجير، يذكرنا بما يفعله تنظيم القاعدة الإرهابي في العراق، وما تفعله الجماعات المتطرفة الأخرى. فرفض الإرهاب مسألة مبدأ حتى لو كانت تهدف لردع الإيرانيين عن دعم الإرهاب في بلداننا، حيث لا يمكن أن نقر إرهابا يصيب إيران ونشجب الإرهاب عندما يصيبنا. والإرهاب مشروع عسكري فاشل، مهما نجح في إثارة الفوضى وزرع الخوف. وإن نجح في استهداف المدنيين فإنه نجاح لا يدوم طويلا، بدليل أن جماعة نمور التاميل الانفصالية في سريلانكا خسرت كل ما كسبته ميدانيا، بسبب أعمالها الإرهابية ضد المدنيين والمنشآت العامة. و«القاعدة» أكبر دليل على فشل المشروع الإرهابي، فهي وصلت نيويورك وضربت عشرات الأهداف في أنحاء العالم، لكنها رغم الدعاية المكثفة التي تبرر جرائمها باسم محاربة الاحتلال والأجانب وإسرائيل، فإن غالبية المسلمين في العالم انقلبت ضدها وصارت أكثر منظمة مكروهة في العالم.

إلا أن المثير للاستغراب أن السلطات الإيرانية التي قالت إنها أمسكت بثلاثة من الإرهابيين في زاهدان، سارعت بإعدامهم بعد ثمان وأربعين ساعة من تفجير المسجد. وقد يكون محتملا أن المقبوض عليهم بالفعل من قاموا بالجريمة، لكن من الغريب جدا أن يتم إعدامهم بهذه السرعة الفائقة التي تتعارض مع مفهوم العدالة البسيطة، ويتعارض مع ضرورات التحقيق الأمني، خاصة في قضايا الإرهاب حيث يتم الحرص على القبض على كل عنصر والاحتفاظ به أحيانا لسنوات لأغراض التحقيق، لا أن يتم إعدامه فقط بهذه السرعة. لم نسمع قط من قبل أن إرهابيا جرى إعدامه إلا بعد أشهر من الإمساك به، حتى في الدول التي محاكمها صورية أو عسكرية.

والإعدام السريع يدخل الشك بأن المقبوض عليهم ربما لم يكونوا الفاعلين الحقيقيين، أو أن النظام في عجلة من أمره لأسباب سياسية أراد شنق المتهمين لطمأنة الناس أو كسب أصواتهم الانتخابية.

أما الشق الثاني في جريمة زاهدان أن ملامح بداية حرب إرهاب متبادلة، إرهاب مدعوم من الخارج ردا على الإرهاب المدعوم الذي تتهم به إيران في العراق وباكستان واليمن وغيرها. عمل عسكري بنفس الصيغة، الإرهاب الذي يريد إذكاء الطائفية وبذر الشقاق بين السنة والشيعة والحركات الانفصالية. ولو صح هذا التفسير، خاصة أن إيران تقول أيضا إنها عمليات مدبرة في الخارج، فإننا نكون قد دخلنا فصلا جديدا في الحرب الإقليمية، حرب الإرهاب بالوكالة. فإلى أين يمكن أن تقود هذه الصراعات الجديدة، هل هي قادرة على إيقاف الإرهاب من خلال الإرهاب الرادع، أو أنها فقط تعمق النزاع، وتهيئ لقيام حرب أكبر أخطر وأشمل؟

[email protected]