هل يخسر العرب أوباما؟

TT

أهم أخطاء العرب في الصراع العربي الإسرائيلي، أنهم استطاعوا وببراعة أن يجعلوا من أميركا عدوّا، رغم أن الموقف الأميركي تاريخيا كان مترددا في ما يخص إقامة دولة إسرائيل أو منحها تأييدا مطلقا. ولكن من سوء حظ العرب أن كان أمرهم بيد جيل من زعماء الشعارات ممن كانوا يقولون: «سنحارب إسرائيل ومَن وراء إسرائيل»، وإذا ما سألتهم من يقصدون قالوا من دون مواربة إنهم يريدون حربا مع أميركا. وهناك آخرون ممن نادوا بحرب مع الغرب على إطلاقه بما فيه مَن يؤيدون إسرائيل ومن لا يؤيدونها، فتحول مَن كانت مواقفهم في الخانة الرمادية إلى أصدقاء لإسرائيل، ولم تُضطرّ إسرائيل إلى أن تبذل مجهودا يُذكر في كسب ودّهم، فقط تركت العرب يؤدّون وصلة من الحروب الكلامية التي كرّهت العالم فيهم وتحول الغرب إلى مدافع عن الحق الإسرائيلي. كيف تحول العرب إلى أعداء لأنفسهم وقضاياهم، هذا موضوع يحتاج إلى ورش عمل طويلة عريضة يحدث فيها حوار أمين حول قدرتنا العجيبة لتحويل الأصدقاء إلى أعداء. فهل سنفعل هذا مع الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما؟ هل سننجح في تحويل أوباما إلى عدو؟

لم يأت على الولايات المتحدة رئيس بحساسية أوباما تجاه قضايا الظلم والعدل، فهو رجل ذو علاقة خاصة بقضايا المظلومين لأنه وكما هو معروف ينحدر من عرق تعرض لأعظم حالات الظلم الإنسانية. ومن يعرف التركيبة النفسية للملونين في الولايات المتحدة، يدرك أن باراك أوباما لديه حساسية خاصة تجاه الملونين، والعرب في التقسيمة الغربية للأعراق يقعون في هذه الخانة. ومع ذلك لدينا أناس في العالم العربي ممن تخصصوا في التشكيك، وسوف يتحفوننا بمقولات مفادها أن الرئيس الأميركي محدود الصلاحيات وأنه محكوم بسياسات تصنعها مؤسسات أكبر وأقوى نفوذا من شخص الرئيس. هذا إلى حد ما صحيح، ولكن أوباما لديه قدرة كبيرة كرئيس على الحركة والتأثير وربما تغيير سياسات قديمة.

خطاب الرئيس الأميركي إلى العالم الإسلامي من القاهرة ربما لن يكون باهرا للمجموعات الراديكالية من العرب التي لن ترضى عن أوباما إلا إذا أصبح عضوا في الجماعات الإسلامية أو منتميا إلى فكر القوميين العرب. أوباما رئيس الولايات المتحدة تحكمه، كما قلنا، معايير وقواعد أميركية لن يحيد عنها كثيرا، ولكن كل المؤشرات تقول بأنه سيكون أكثر تعاطفا مع قضية العرب الأولى ممن سبقوه من رؤساء أميركا منذ عام 1947 حتى الآن. لهذا يجب أن يحاول العرب أن يكسبوه صديقا بدلا من تحويل صديق محتمل إلى عدو. ليس عندي شك أن لدينا في العالم العربي من الساسة ومن الإعلاميين من كُتّاب الأعمدة إلى أبطال التوك توك شو ممن أدمنوا شهر العداء لرؤساء الغرب وزعمائه، والإعلام العربي بالأصل هو إنتاج الساسة الذين اكتشفوا فيما بعد عندما أصبح هذا الإعلام المعبأ بالشعارات عبئا عليهم، أنهم قد صنعوا سجونهم الكلامية بأنفسهم. هؤلاء استسهلوا التحريض على الغرب لظنهم أن هذا يتلاءم ومزاج الداخل العربي ويحقق لهم شعبية رخيصة، غير مدركين أن سياسة خلق الأعداء هي سياسة غبية في النهاية وستضر أول ما تضر مصالح العرب أنفسهم. ولن يكون أوباما في ذلك مختلفا، فأوباما هو رئيس أميركا، وأبطال التوك توك شو لدينا يتلذذون بمقاومة الدول العظمى على الشاشات وعلى صفحات الجرائد. وهذه نرجسية بامتياز، فلا يهم هؤلاء تحقيق مصالح عليا للعرب بعيدة المدى بقدر ما يهمهم تحقيق بطولات شخصية وهمية.

لا بد أن نأخذ دعوات باراك أوباما المتكررة إلى الحوار مع العالم الإسلامي ورغبته في حل الصراع العربي الإسرائيلي على محمل الجد. وأن نرى في أوباما نفسه من خلال هذه الدعوات صديقا لا عدوا تحت أي ظرف من الظروف، فلدينا ما يكفينا وزيادة من أعداء في هذا العالم. في جو يكون فيه الرئيس الأميركي صديقا محتملا وإسرائيل في أسوأ صورها لدى الرأي العام الغربي بعد حرب غزة، إضافة إلى السمعة السيئة لأعضاء حكومتها بداية من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حتى وزير خارجيتها المعروف بتطرفه وكرهه للسلام، في مثل هذا الجو الذي يُعتبر فرصة ذهبية للعرب، يجب أن لا نخسر تعاطف وتأييد الولايات المتحدة ممثلة برئيسها والإدارة الجديدة، وإذا خسرنا هذه المرة فبلا أدنى شك احتمالية الكسب مع إدارة أميركية أخرى ستكون جد ضئيلة.

محادثات أوباما مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في واشنطن الأسبوع الماضي، هي مؤشر لما سيقوله في الرياض والقاهرة. وكان واضحا في لقاء أوباما ـ عباس، وبتقدير كل المراقبين، أن اللقاء كان أكثر دفئا من لقاء أوباما ـ نتنياهو، وهذا ما أشار إليه الرئيس عباس نفسه. في الرياض، يُتوقع أن يكون اللقاء مثمرا، خصوصا أن الرئيس أوباما التقى الملك عبد الله بن عبد العزيز من قبل في لندن في أثناء قمة العشرين، وحدث ما يشبه التقارب بين الزعيمين، حسب مصدر عليم. وكذلك متوقع في القاهرة، فالرئيس المصري حسني مبارك معروف عنه براغماتيته في التعامل مع الرؤساء الأميركيين، مع الأخذ بالاعتبار أيضا خصوصية العلاقة المصرية الأميركية، وتحديدا الشق العسكري منها.

لقاء أوباما كلا من الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس حسني مبارك سيكون بمثابة انطلاقة جديدة لعلاقات عربية أميركية. القاهرة والرياض اليوم هما قلب العالم العربي وثقله السياسي والاقتصادي، وإذا ما نجحت القيادات في هاتين العاصمتين العربيتين المهمتين بالتنسيق بين الدولتين على مستوى أقرب إلى علاقة الطيار بالطيار المشارك (CO-PILOT)، أي في إطار مفهوم ثنائية القيادة في التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية في ما يخص القضايا العربية الجماعية، وخصوصا القضية الفلسطينية، فإن هذا التنسيق المشترك سيحول الحديث عن هذه المسألة من عالم عملية السلام التي تركز على العملية دون السلام، إلى عالم الواقع الملموس على الأرض الذي يشمل وقف المستوطنات والتعامل مع قضايا الحل النهائي بجدية توصلنا إلى حل الدولتين.

المطلوب من العرب قبل زيارة أوباما للرياض والقاهرة، اتخاذ موقفين أساسيين: الأول هو دعم الدول العربية الأخرى لفكرة أن السعودية ومصر تديران العلاقة العربية الأميركية، من خلال القيام بزيارات عربية لهاتين العاصمتين توحي بأن الدول العربية قد فوضت القاهرة والرياض في التعامل في الملف الفلسطيني، أو ربما كل ملف الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. أما الموقف الثاني، فهو عدم تبني نغمة النضال الكاذب في الفضائيات والصحف فقط للظهور بمظهر الأبطال بغض النظر عن مصالحنا الحقيقية، مما قد يحول أوباما من صديق محتمل إلى خصم حقيقي، ولنا تاريخ في إنجاز هذه المهمة بامتياز مع رؤساء أميركيين سابقين، فهذا كارتر الذي يشيد به معظم العرب اليوم، هو كارتر الذي كنا ننعته بأسوأ النعوت يوم «خدع» السادات بالتوقيع على معاهدة كامب ديفيد. لقد احتجنا إلى عشرات السنوات كما حدث في حالة كارتر حتى ميزنا بين رئيس أميركي يمكن صداقته وآخر ليس من عداوته بد. لدينا فرصة قوية لكسب أوباما إلى الصف المؤيد للقضية العربية الكبرى، ولا بد أن نكسبها.