أبشر يا لبنان.. بعهد «أنور خوجة الإلهي»

TT

«نحن والصين جبهة تضم 700 مليون نسمة»

(شعار رفع في العاصمة الألبانية تيرانا في استقبال الزعيم الصيني شو إن لاي)

عام 1964 قام شو إن لاي، رئيس وزراء الصين وداهيتها الراحل بزيارة تاريخية إلى تيرانا، عاصمة ألبانيا، بعيد تفجر النزاع «التحريفي» بين عملاقي العالم الشيوعي، الاتحاد السوفياتي والصين الشعبية. وكانت ألبانيا يومذاك، إبان فترة حكم زعيمها «الأوحد» أنور خوجة، الدولة الأوروبية الوحيدة التي وقفت مع بكين ضد موسكو.

في ذلك اليوم «المجيد» رفعت شعارات وصدحت هتافات في تيرانا تقول: «نحن والصين جبهة تضم 700 مليون نسمة»!.

هذه الصورة الكاريكاتورية، التي جمعت بالتساوي بين أكبر دولة وأعظم عملاق اقتصادي وحضاري كامن في العالم، وبين أفقر دولة في أوروبا وأصغر دولة في البلقان (أقل من مليون و400 ألف نسمة في تلك الفترة)، غدت أشبه بالنكتة في عالم السياسة. أو لعلها ظلت كذلك، حتى الأشهر القليلة الفائتة، عندما جددها حزب الله.. ولكن «بالمقلوب».

فـ«الحزب»، الذي يقول أمينه العام السيد حسن نصر الله، إنه قادر على حكم بلد أكبر من لبنان مائة مرة، يكرر في كل مناسبة أن «التيار العوني» رفيق دربه في المعركة السياسية الراهنة، «شريك» و«حليف» حقيقي.. وليس أداة.

وخلال الأسبوع الماضي، أطل السيد حسن فضل الله، أحد نواب «الحزب» ووجوهه الإعلامية اللامعة، على اللبنانيين من خلال برنامج حواري تلفزيوني ليبشر اللبنانيين بأن القوة التي ستشكل قلب السلطة في حال انتصرت المعارضة بالانتخابات المقبلة هو النائب ميشال عون و«تياره»!

ولم يكتف النائب فضل الله بالقول، في زهد عجيب ـ وحتما غريب في عالم السياسة ـ إنه لا رغبة لـ«حزب الله» في الإمساك بالحكم، ولا مطامع لديه بالسلطة، لأن غايته المقاومة. بل ذهب أبعد من ذلك.. ليشرح للبنانيين أي نوع من القادة الأشاوس الشرسين الجنرال عون، وكيف يفرض ما يشاء ويأمر بما يريد.. فلا تأخذه شفقة أو رحمة حتى بحلفائه ـ كما حصل في دائرة جزين ـ حيث انتزع انتزاعا كالليث الغضنفر، أو قل «المحرر» سيمون بوليفار، المقاعد المسيحية الثلاثة المصادرة شيعيا.. من الرئيس نبيه بري!

كلام النائب فضل الله بالرغم من صعوبة تصديقه، لأنه ـ بصراحة ـ يحاول أن «يأكل بعقل اللبنانيين حلاوة»،.. مفهوم الأسباب. وهو في ذلك مثل كلام أمين عام «الحزب» الذي يقول إنه حريص على طمأنة السنة والدروز، بينما يقدم كل أشكال الدعم لميشال عون، متجاهلا تهجمات الأخير على قياداتهم وقواهم الفاعلة. ولقد سبق للأمين العام، أيضا، أن قاد عملية تضخيم حجم عون وتلميع «جبروته» وإبراز «عضلاته» الاستقلالية القيادية المزعومة.. حتى مع حلفائه، بل وبالأخص، إزاء حلفائه.

القصد، باختصار، هو توفير كل الدعم اللازم لعون كي يؤدي دور الواجهة لسياسات «الحزب» المحلية والإقليمية.. ولكن بأصوات المسيحيين وباسمهم.

للأمانة، يجب الإقرار بأن عون أنجز الجزء الأول من مهمته هذه بالتزام كلي.

فقد أمن التغطية المطلوبة لحملة «الحزب» من أجل تعطيل الحياة السياسية في لبنان، منذ توقيعه «وثيقة التفاهم» إياها. أما الجزء الثاني، أو المهمة المقبلة، فموعدهما بعد انتخابات 7 يونيو (حزيران) المقبل.. إذا ما نجحت المعارضة «الإلهية» في الفوز بالسلطة عبر استغلال سلاحها «المقاوم» ومالها «النظيف» وشعاراتها «المطمئنة» في تخدير اللبنانيين أو تضليلهم أو ترويعهم.

ففي حال حصل هذا الأمر، وقاد حزب الله ـ الذي هو رافعة المعارضة وحاضنتها ـ شراذم المعارضة إلى تولي الحكم، لا بد أن تبدأ مهمة عون الثانية كواجهة لا تحل ولا تربط.. في دولة قرار «حزبها» الحاكم و«جيشها» الفعلي خارج الحدود. عند آية الله علي خامنئي. هنا، قد يقول قائل: «ولكن ألا تنتفي حاجة حزب الله إلى عون وأمثاله بعد توليه السلطة فعليا؟».

الحقيقة، أن الحاجة إلى عون هي في الأساس «تسهيلية».. لكي يظل «الحزب» في منأى عن مواجهات يفضل إلا يخوضها إلا بالتوقيت المناسب له.

وما حدث في 7 مايو (أيار) 2008 كان مسألة توقيت سيء لا أكثر ولا أقل. إذ اضطر «الحزب» لكشف أوراقه باكرا، بينما كان يفضل لو سار البلد وأهله كمن يسير في نومه نحو استحقاق سياسي مفصلي يكسبه بسهولة أكبر.. في غفلة عن الوطن.. ومن دون إثارة حساسيات طائفية ضده.

لكن، الواقع الذي لا يريد عون الاقتناع به، وطبعا يرفض أن يعيه جمهوره، هو أنه في النهاية مجرد غطاء لمشاريع الآخرين. وسيكون جديرا بالمتابعة كيف سيتصرف عون ـ إذا ربحت المعارضة الانتخابات ـ غداة توليه مهمته الجديدة.

فربما يستيقظ فجأة من حلمه الجميل، ليكتشف من هو وأين أصبح.. فيحاول العودة إلى سلاح التمرد العبثي، الذي مارسه طوال حياته السياسية. وقد يشعر أنه ذهب طويلا في مشوار يصعب العودة من منتصفه.. فيواصل أداء دور الواجهة.

في أي من الحالتين.. تكون الكارثة قد حلت بالبلد، ويكون «محرر شعب لبنان العظيم» قد أسهم فعلا بولادة «الجمهورية الثالثة»، التي يحلم بها حزب الله، على طريق الخريطة الإقليمية الجديدة.

هذا الاحتمال، طبعا، يجب أن يعيه أشقاء لبنان أيضا.

فلبنان ليس جزيرة معزولة عنهم. وما يتعرض له لبنان اليوم من هجوم مركز على نظامه السياسي ووفاقه الوطني وانفتاحه التعددي يضعه فعليا بين «فكي كماشة» إسرائيلي وإيراني. ومثلما يمارس حزب الله تضخيم حجم ميشال عون، للتستر وراءه خدمة للمشروع الإقليمي الكبير، تهدي إسرائيل ـ التي هي عدو لبنان المصيري ـ الانتصارات التكتيكية تباعا لـ«الحزب» خدمة للمشروع ذاته.

وثمة، من يتساءل اليوم كيف تساقطت فجأة شبكات عملاء إسرائيل كأوراق الخريف مع العد التنازلي للانتخابات اللبنانية. وكيف تخلت إسرائيل عمن يفترض أنها جندتهم ودربتهم وأنفقت عليهم لسنوات بمثل هذه السهولة.

بل، هل من المستبعد أن تكون إسرائيل نفسها قد رفعت الغطاء عن هذه الشبكات للإمعان أكثر في إرباك الساحة الداخلية؟

هل تدرك المنطقة ككل طبيعة التحدي الذي تواجهه؟

هل تفهم كيف استغلت القضية الفلسطينية حتى سحقها وتصفيتها؟

هل تستوعب أن لا كيان في مأمن من المخطط المرسوم؟