مواهب أخرى للصحافيين!

TT

للصحافة كأي مهنة من المهن ظرفاء وصنّاع مقالب، من يسلم من دعاباتهم فلله دره، فثمة مواقف، وطرائف، ومفارقات تجعلني أضحك وحيدا كلما تذكرتها، ومن هذه المواقف ما حدث في «نيوزيلاندا» قبل أكثر من عشر سنوات، إذ كانوا يوقظون الوفد الصحافي فجرا، والنجوم لا تزال في كبد السماء؛ ليطلعونا على كيفية حلب الأبقار بعد أن تم توزيع الوفد على عدد من بيوت المزارعين، وكان الوفد يضم عددا كبيرا من الصحافيين السعوديين، والكويتيين، واللبنانيين، والإيرانيين، ولم ترق لأحدهم عملية الإيقاظ المبكر هذه، وأدرك أن النيوزيلانديين يخافون على أبقارهم أكثر مما يخافون على أنفسهم، حتى أنهم لا يدخلوننا إلى بعض إسطبلاتهم إلا بعد تعقيمنا وخلع أحذيتنا، بل وإلباسنا معاطف صحية خاصة، لذا حينما أتت صاحبة الدار لإيقاظنا صباحا وجدت ذلك الصحافي قد عصب رأسه، وبحلق عينيه، متظاهرا بالمرض، وتطوع أحدهم ـ لعله عمرو أديب ـ لإبلاغها بأن ذلك الصحافي يعاني من أعراض جنون البقر، فجنت المرأة وهي تهرول إلى خارج الدار صايحة: «لا بد لهؤلاء الغرباء أن يغادروا مزرعتي حالا»!

ومن المقالب التي ترتقي إلى مستوى الضرب تحت الحزام، أن صحافيا فاته حضور مؤتمر صحافي في إحدى الدول، فاستعان بزملاء له في صحف منافسة لمعرفة ما دار في المؤتمر، فزودوه بمعلومات لم يتحدث عنها المسؤول لتصدر صحيفته في اليوم التالي، وعلى صفحتها الأولى كلام مغاير لكل ما دار في ذلك المؤتمر، وكاد يتسبب ذلك في أزمة بين المسؤول والصحيفة.

أما في كوريا ذلك البلد الذي يأكل الناس فيه كل ما يقف على أربع عدا الطاولات، وكل ما يطير في الجو باستثناء الطائرات، وكل ما يسبح داخل الماء عدا الغواصات، فكان الموقف مختلفا، إذ حرص الوفد الصحافي أثناء تناول وجباته ألا يتورط في وجبة من لحوم الكلاب، وكان أكثرنا حرصا وشكاً صحافية لبنانية تعمل في دبي، الأمر الذي أثار شهية صناع المقالب على مداعبتها، فوضعوا ورقة طلب إفطار على باب غرفتها يطلبون فيها قطعة طازجة من لحم الكلاب، وفوجئت الصحافية صباحا بالمسؤول عن خدمات الغرف في الفندق يوقظها من نومها معتذرا عن عدم تمكنه من تلبية طلبها؛ لأن لحوم الكلاب أكلة شعبية لا تقدمها مطاعم الفنادق الراقية!

ولهذه المقالب أبطالها المشهورون من الصحافيين، الذين لا يمكنك أثناء مرافقتهم في أية رحلة خارجية أن تخلد إلى النوم مطمئنا إلا بعد إجراء معاهدات خاصة معهم لضمان سلامتك، ولست في حل من ذكر أسمائهم، فقد لا يصدق القارئ أن بعض تلك الأقلام الرصينة التي تطالعه كل صباح تخفي خلف صورها الوقورة مواهب أخرى لا يعرفها سوى ضحاياها من الزملاء.

[email protected]