كيف نجحت خدعة بيونغ يانغ؟ وهل نجحت طهران ولم تعلن؟

TT

وضع التفجير النووي الكوري الشمالي شمال شرق آسيا بين خياري وجود أميركي طويل الأمد، لتأمين مظلة نووية وقوة ردع ساحق، أو سباق تسلح نووي يؤدي إلى انهيار شامل لمعاهدة الحد من الانتشار النووي. ومن مخاطر الخطوة الكورية أنها تصدر فيروس التحدي النووي إلى دول أخرى.

خلافا لإيران المهووسة قيادتها بالبرنامج النووي، أقدم الشماليون في بعض الفترات على خطوات وصفت بالإيجابية، وبعثوا الأمل في التخلي عن توجهاتهم النووية، إلا إن مسيرة الشهرين الأخيرين من التحدي أثبتت أنهم كانوا يتصرفون على خطين متوازين، هما خط التفاوض العلني لكسب الوقت ومحاولة الحصول على امتيازات مؤقتة، وخط سري لتطوير قدراتهم.

وليس معقولا، أن يتمكن البرنامج النووي من تحقيق تطور كبير، خلال سبعة أسابيع من تدهور العلاقات وطرد المراقبين الدوليين، إلى مرحلة تصنيع قنبلة جديدة بمواصفات تفوق التفجير الأول الذي جرى عام 2006. وما قيل عن أن القنبلة الجديدة تماثل قنبلة هيروشيما لا يثير قلق اليابان فحسب بل يذكرها بمرحلة الرعب، أما كوريا الجنوبية فحالها أكثر خطرا من اليابان، لأنها تعرف طمع الشماليين بوجودها.

ليس لجهاز مخابرات في العالم أن يدعي القدرة على تغطية معظم متطلبات خطط الوصول إلى الاهتمامات، ومن غير الممكن الطلب منه ذلك، خصوصا في البرامج ذات السرية العالية. لذلك تمكنت بيونغ يانغ من إحداث صدمة دولية كبيرة. ويشير التطور الأخير إلى أنها كانت تمتلك هذه القنبلة من فترة طويلة، أو أن لديها برنامجا سريا لم يكتشف، كان يواصل العمل حتى بوجود المراقبين الدوليين. وفي كل الأحوال أصبح من الضروري التحسب لوجود عدة قنابل نووية احتفظت بها كقوة ردع تجاه أسوأ ردود الفعل المحتملة.

في فن الاستخبارات، يحتل التحليل جانبا مهما من عملية الاستخبارات، ولأن من مسؤولية الاستخبارات الإجابة عن استفسارات القيادة السياسية، فإنها ملزمة بتحليل نتف المعلومات ومقارنتها ببعضها، وصولا إلى استنتاجات تشكل حقائق مستجدة، لأن الإجابات المتكررة بعدم توفر المعلومات يعكس صورة كالحة من الفشل. لذلك لا يحق للقادة الاجتهاد طبقا لحسن النية أو تماشيا مع المشاعر والأمنيات، فالخطأ الذي يقود إلى التقليل من درجة خطر مرجح، يعطي فرصة مثالية للطرف الآخر لتحقيق أهدافه.

وبعد نجاح خديعة الكوريين، يواجه العالم اليوم محنة حقيقية، تتمثل بروح التحدي الإيراني المماثل، فلا ينبغي أن يُفسر من باب المصادفة تحديد نجاد أفق التباحث مع المجتمع الدولي بما يرتبط بإدارة العالم وجعل التفاوض النووي محصورا بوكالة الطاقة الذرية. مما يعني تحديد إطار يفترض رفضه من قبل واشنطن، التي حددت نهاية العام توقيتا للوقوف على جدوى الحوار مع إيران، وهي مهلة مثيرة للحيرة.

لقد سبقت إيران كوريا الشمالية بتوجهاتها النووية، التي مضى عليها أكثر من ثلاثة عقود، ويبدو إنها وصلت إلى مرحلة اللاعودة، بعد أن تمكنت من زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي إلى الضعف، وفقا لما هو معلن، وربما يكون المتحقق أكثر من ذلك بكثير، وبما أن العالم غير ملم بعدد المواقع السرية، أو يشك بوجود مواقع سرية أخرى، فينبغي والحال هذه الأخذ بأسوأ الاحتمالات وأخطرها.

وخلال الفترة الأخيرة ظهرت تناقضات أميركية في تحديد المدة المتبقية أمام إيران لتصنيع سلاح نووي، فيما حاولت المخابرات المركزية تقليل ما ينشر عنها بهذا الاتجاه. وفي كل الأحوال، فعندما يحدد رئيس أركان الجيوش الأميركية الفاصلة بين عام واحد وثلاثة أعوام يقتضي حذف رقمين مع أول مراجعة مسؤولة، لأن أمن العالم عموما والموقف في الشرق الأوسط تحديدا لا يسمحان بالخطأ في هكذا تقدير موقف.

من النقاط المثيرة أن يطلق بعض المسؤولين في كبرى المؤسسات النووية تصريحات تؤدي إلى إحداث بلبلة في المواقف، ومنها ما قاله السيد البرادعي من أن مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية سيحول المنطقة إلى كرة لهب، ومع أن تحليلا كهذا يقع خارج اختصاصه ومن مسؤولية القادة العسكريين وأجهزة المخابرات، فإنه يؤدي عن غير قصد إلى تشدد المسؤولين الإيرانيين في توجهاتهم، شعورا بوهم القوة. وهو على أي حال تصريح ما كان مفترضا إطلاقه من قبل أرفع مسؤول نووي، حتى لو كان التقدير صحيحا، وذلك تجنبا للمزيد من الغلو الإيراني. والمطلوب هو توجيه ضغط يخدم مساعي المجتمع الدولي السلمية وليس العكس.

وهكذا يمر العالم في مرحلة حرجة، تتطلب تماسكا دوليا قويا، وقوة مواقف وقرارات أميركية تتعدى قوة بلاغة الرئيس أوباما، كي لا يتمادى المسؤولون الإيرانيون في غايات يخشى أنهم وصلوها، وتفاديا لسباق تسلح نووي وحروب مدمرة.

[email protected]