ماذا يضمر حزب الله للبنان؟

TT

تصعيد خطاب أمين عام حزب الله، قبيل موعد الانتخابات النيابية اللبنانية بأيام، يمكن نسبته إلى تكتيك الحملة الانتخابية، كما يمكن إرجاعه إلى ظروف إقليمية يخشى منها أو يعلق آمالا عليها. ومن المستبعد نسبتها إلى «زلة لسان» أو إلى «حسابات خاطئة». وإذا كان القصد من التذكير بيوم السابع من أيار، ووصفه باليوم المجيد، ترهيب أو تهديد ناخبي فريق 14 آذار، فإن هؤلاء سوف يزدادون، بعد هذه الخطب التهديدية، تمسكا بموقفهم الرافض لطروحات حزب الله ومعارضي فريق 8 آذار، أكثر من ذي قبل. كما سيزيد من قناعة المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومعظم الدول العربية بالأخطار التي سيتعرض لها لبنان، والقرارات الدولية، إذا وصل فريق 8 آذار وحزب الله إلى الحكم في لبنان.

في الحقيقة لم تكن النبرات العالية والتهم الظالمة أو الكاذبة غائبة يوما عن الانتخابات اللبنانية ـ ولا عن أي انتخابات في العالم ـ ولكن السؤال هو: ما أثر ذلك، فعليا، على المقترعين ونتائج الاقتراع؟ عشرة في المائة على الأكثر، من المترددين. أما أكثرية الناخبين الساحقة فقد كونت قناعاتها الوطنية والسياسية منذ أشهر.

إن التكوين الإجمالي لأعضاء المجلس النيابي القادم بات معروفا في معظم المناطق. و«بيضة القبان»، كما يقال، هم نواب جبل لبنان المسيحيين والموارنة خصوصا. فلئن فاز التيار العوني بالأكثرية ـ كما حصل عام 2005 ـ تعادل الفريقان في المجلس. أما إذا فاز مرشحو 14 آذار والمستقلون ، فإن الأكثرية ستبقى أكثرية، والأقلية أقلية. والأمر مرهون بخيار الناخبين المسيحيين بين شعارات وطروحات فريق 14 آذار، أي السيادة والاستقلال والدولة والشرعية الدولية. وهي تستجيب لحقيقة أمانيهم وقناعاتهم. وبين الشعارات التي يطرحها حزب الله، أي «تحرير فلسطين» و«مقاومة المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي»، أي تحويل لبنان إلى ساحة قتال وقاعدة للمقاومة.

إن اختلاف الرأي والنظرة إلى مصلحة الوطن، وتنافس الأحزاب على الحكم، هي من صلب الديمقراطية السياسية. ولقد جرت في لبنان انتخابات نيابية ورئاسية منذ عام 1926، انقسمت فيها البلاد إلى حزبين أو كتلتين. وكانت الكتلة الفائزة ـ ولو بصوت واحد ـ هي التي تحكم، والخاسرون يشكلون المعارضة. أما هذه المرة، فإن «بدعة» أدخلت على الحياة السياسية وعلى الدستور، بعد مؤتمر الدوحة، ألا وهي «الثلث المعطل». أي أن كل حكومة في لبنان يجب أن تكون «وفاقية» والوفاق يعني أن تضم ممثلين عن الأكثرية والأقلية، وأن يكون لممثلي الأقلية الحق ـ وعددهم يشكل الثلث ـ أن يعطلوا أي قرار يصدر عن ثلثي مجلس الوزراء. واستنادا إلى هذا «الاجتهاد ـ البدعة»، لم تتمكن الحكومة الحالية من تعيين بعض القضاة والمدراء في الدولة ولا من إقرار موازنة الدولة. ولن تتمكن أي حكومة من أن تحكم. من هنا السؤال عن فائدة الانتخابات النيابية اللبنانية القادمة، ما دام حزب الله وحلفاؤه متمسكين بالثلث المعطل؟ إن حزب الله وحلفاءه لم يتركوا تهمة إلا وألصقوها بفريق 14 آذار، ولكنهم لم يتورعوا من عرض إشراكه في الحكم، إذا فازوا في الانتخابات. وحسنا فعل فريق 14 آذار عندما أعلن انتقاله إلى المعارضة إن لم يفز بالأغلبية في المجلس. فهذا هو الموقف الوطني والديمقراطي والدستوري السليم.

إن لبنان مقبل، بعد الانتخابات، على مرحلة قد تكون الأخطر بعد خروجه من الحرب، عام 1990. فلئن فاز فريق 14 آذار بالأكثرية، فإن حزب الله وحلفاءه سوف يرفعون شعار «الثلث المعطل» أي سيعطلون تأليف أي حكومة، أو يعطلون عملها إن هم دخلوا فيها تطبيقا لهذا الشعار البدعة الذي أنيخ على الحياة الديمقراطية ـ الدستورية اللبنانية، وقد يذهبون إلى أبعد من ذلك. أي إلى ما عاشه لبنان من تعطيل لمؤسساته وشل للوسط التجاري في بيروت و7 أيار جديد. أما إذا فاز فريق 8 آذار وحزب الله بالأكثرية، فالاحتمالات مفتوحة على أكثر من صعيد وجبهة. ابتداء من تعكر علاقات لبنان العربية والدولية، مرورا بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمساعدات المالية والاقتصادية الدولية، ووجود القوات الدولية في الجنوب. وعلى الأخص موقف إسرائيل. فهذا التراكم من القرارات والمساعدات والدعم المعنوي والاقتصادي العربي والدولي، مرشح للسقوط أو التفكك، إذا «حكم حزب الله وحلفاؤه لبنان». اللهم إلا إذا غيروا شعاراتهم وطروحاتهم رأسا على عقب. ولكن هل هم أحرار أو قادرون على هذا التغيير؟

صحيح أن لبنان، بخصوصية تكوينه البشري ونظامه الطائفي، لا يحكم إلا بتوافق وطني. ولكن التوافق الوطني شيء واحتكار تمثيل هذه الطائفة أو تلك شيء آخر. والصيغة الأفضل الموفقة بين الديمقراطية البرلمانية والوفاق الوطني هي ـ بانتظار تجاوز النظام الطائفي ـ قيام حزبين كبيرين أو ثلاثة، يضم كل منها شخصيات سياسية من كل الطوائف والمناطق. ويكون لها برنامج وطني وسياسي واضح ينتخب الشعب على أساسه نوابه ورؤساء سلطاته التنفيذية والتشريعية.

إن اللبنانيين لن يجدوا الخلاص والاستقرار والحياة السياسية الديمقراطية إلا بعد حل النزاع العربي ـ الإسرائيلي، و«تصالح» الولايات المتحدة مع إيران. وقد يكون وصول الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض حاملا معه آمالا جدية في هذا الاتجاه الجديد. ولكن مع عودة اليمين إلى الحكم في إسرائيل، وانتخاب أحمدي نجاد مجددا في إيران، لا يبدو الطريق الذي يشقه الرئيس الأميركي الجديد سهل السلوك.

فكيف إذا أضيف إلى ذلك طموح حزب الله إلى حكم لبنان، وإيران إلى حكم الشرق. وطموح الجنرال عون للوصول إلى رئاسة الجمهورية، مهما كلف الأمر؟!