لا تعطه سمكة.. ولا تعلمه صيد السمك

TT

حدثنا صاحبنا رجل الأعمال الشهير، فقال:

بعد غربة طويلة في بلاد الناس حققت فيها ثروة طيبة عدت إلى بلدي، اختنقت في العاصمة بعد أن عجزت عن إيجاد مكان لي بين الحيتان فقررت العودة إلى قريتي القديمة بجوار بحيرة المنزلة في شمال الدلتا. وجدت القرية ولم أجد البحيرة، للحق وجدت جزءا صغيرا منها، أما تلك المساحات الشاسعة من البحيرة التي كانت تنتج الأسماك الفاخرة بوفرة فقد جففوها وحولوها إلى أرض بناء أقاموا عليها مساكن لم يسكنها أحد، وإن كانت قد بيعت كلها. ولما كانوا في حاجة إلى السمك نظرا إلى ارتفاع أسعار البروتين الحيواني لذلك قاموا بعمل مزارع سمكية أنتجت أسماكا ليست فوق مستوى الشبهات، ذات يوم قالت لي أستاذة متخصصة في أمراض الأسماك، إنني لو اطلعت على نوعية الأمراض المصابة بها الأسماك هذه الأيام لما جرؤت على الاقتراب من السمك، غير أني أعتقد أنها تبالغ قليلا. على أية حال كان مشروعي هو الاهتمام بتنظيف وتطهير الجزء المتبقي من البحيرة وإعادته إلى سابق عهده، ثم تعليم سكان القرية الصيد بأساليب عصرية تطبيقا لتلك القاعدة الشهيرة «لا تعطه سمكة.. علمه صيد السمك» وهي الجملة التي نقرأها جميعا بكثرة عندما نتناول موضوع المعونات الأجنبية.

طلبت من أحد المكاتب الدانمركية المتخصصة أن يقوم بإعداد دراسة الجدوى، ولحسن الحظ تبرعت الحكومة الدانمركية مشكورة بتمويل الدراسة كما وعدني بعض الأصدقاء في النرويج بتمويل شراء كل معدات الصيد المطلوبة بما في ذلك سيارات ثلاجات عملاقة لنقل السمك طازجا إلى كل الأسواق. وفي شهر واحد تمكنت من الحصول على كل الموافقات والترخيصات اللازمة الخاصة بالشركة ومعهد التدريب على الصيد بل وحصلت على موافقات بالتصدير إلى الخارج عند زيادة المعروض عن المطلوب. في البداية تولى الخبير الدانمركي ومعه مساعد واحد ومترجم، تدريب عشرين عاملا فقط تم اختيارهم بعناية من بين المئات من المتقدمين، في الوقت الذي كانت تقوم فيه شركة مقاولات مصرية بالعمل على تطهير البحيرة.. الحمد لله.. كل الخطوات تمضي في طريقها بدقة ونعومة، ترى ما هو مصدر تلك الشائعات عن تعثر المشاريع الاستثمارية في مصر؟

حتى الآن لا أحد خارج المحافظة يعرف شيئا عن المشروع، وأنا من ناحيتي لم أر ضرورة لعمل حملة دعاية تلتهم جانبا كبيرا من رأسمال المشروع، أضف إلى ذلك أن الحياة علمتني أن الإنسان عندما يقوم بمشروع مفيد لأهله وناسه فهناك حتما من سيقفون إلى جواره، هذا هو فعلا ما فكرت فيه عندما اتصل بي برنامج «الحقوا الوطن» الذي تقدمه إحدى الفضائيات وطلبوا مني أن أتكلم عن مشروع تطهير البحيرة لكي نلفت أنظار رجال الأعمال والمواطنين أيضا إلى ذلك المشروع العظيم من أجل تعميمه في باقي أرض الوطن.

وفي البرنامج الذي يذاع على الهواء كان أمام المذيعة ملف كبير امتلأ بقصاصات الصحف، وكلها تهاجم المشروع بضراوة وتتهمه بأن الهدف منه، هو حرمان المصريين من تجفيف ذلك الجزء المتبقي من البحيرة وتحويله إلى أرض بناء تستوعب المساكين وأبناء السبيل، وبدأ البرنامج، قالت المذيعة: لست أتهمك بأي شيء.. وهدف البرنامج كما تعرف هو إنقاذ الوطن من كل من يريد به شرا.. هدف البرنامج هو إظهار حقيقة مشروعك والأيدي الخفية التي تحركه.

أصابتني جملتها بالرعشة، فقلت لها بصوت مضطرب: لست أدري يا سيدتي عن أي «أيدي» تتكلمين..

فقالت: لأ حضرتك عارف كل حاجة.. لماذا الدانمارك؟.. وما صلة هذا المشروع بجماعة كوبنهاجن بتاعة السلام المزعوم؟ ولماذا النرويج..؟ أليس لأنها هي الدولة التي احتضنت اتفاقية أوسلو التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من كوارث؟ ثم هذا الخبير الدانماركي الذي يعمل معك أو يعمل عندك أو تعمل عنده، خبير في صيد السمك فعلا؟.. أليس هو جوز خالة هانز كريستيان أندرسن الذي كان يحتل مكانا رفيعا في المخابرات الأمريكية؟ ثم ما حكاية أن تعلمنا الدانمارك صيد السمك؟ هل تقول إن الصياد المصري العظيم الذي يصطاد السمك من آلاف السنين في حاجة لخواجة يعلمه صيد السمك؟ (في هذه اللحظة ظهرت على الشاشة لوحة فرعونية شهيرة لعدد من الصيادين الفراعنة يصطادون السمك بكل أنواع أدوات الصيد) إحنا بنصطاد سمك من قبل الخبير بتاعك وأهله ما يعرفوا السمك بيتاكل إزاي.. شوف لحد دلوقت أنا لم أتهمك بشيء.. وأعرف أنك بريء حتى تثبت إدانتك.. ثم أنا عاوزة أعرف.. جبت فلوسك دي منين؟.. وهل هي فلوسك فعلا أم هي فلوس تمويل من جهات أجنبية؟ إحنا حانسمع إجابات سيادتك بعد الفاصل وبعد تلقي عدد من المكالمات من السادة المشاهدين.. ألو.. مين معانا؟ ألو.. أنا الحاج عبده الفرارجي من المطرية دقهلية، وعاوز انتهز الفرصة دي لأشكر البرنامج على اهتمامه بأنه يلحق الوطن وينقذه من الأوغاد اللي بيضروه ويتآمروا عليه.. لا شكر على واجب يا حاج عبده.. إذا ما كناش احنا اللي حانلحق الوطن، مين حايلحقه، بس من فضلك بلاش شتيمة.. بلاش حكاية أوغاد دي.. شكرا وقت البرنامج انتهى.. مرة أخرى المتهم بريء إلى أن تثبت إدانته.. حانثبتها الجمعة الجاية إن شاء الله.. مع تحيات برنامج إلحقوا الوطن.