النساء عبدات للموضة.. ونحن عبيد لهن

TT

قُدر لي أن أسكن بالصدفة في الفندق الذي يسكن هو فيه.

وفي إحدى الأمسيات نزلت من غرفتي وهدفي هو البحث عن «رزق الله» في الشوارع، حيث إنني من هواة المشي المتواصل ـ خصوصا إذا كان (الدنيا ربيع والجو بديع) مثلما قالت المرحومة بإذن الله (سعاد حسني).

وما كاد باب المصعد يُفتح وأخطو أول خطوة من خطواتي العسكرية إلا ووجهي بوجه ذلك الرجل الذي ذكرت لكم أنه يسكن معي في نفس الفندق، تسالمنا ـ أو بمعنى أصح «تناقرنا» كالديكة ـ حيث إن ذلك الرجل هو من أهل الخليج الذين يحبذ البعض منهم السلام على الرجال بتصادم الأنوف، ولا أدري كيف يكون سلامهم مع نسائهم؟!

المهم (ما علينا)، كان ذلك الرجل كريما حقا وعلى خلق، وأصر وأبى أن أخرج قبل أن أشرب معه قدحا من الشاي أو القهوة أو ما أريده من شراب، استسلمت ووافقت وطلبت كأسا من ماء «البرية»، وعرفت منه أنه جالس هنا بانتظار زوجته التي ذهبت إلى صالون التجميل، حيث إنهما مدعوان إلى حفلة ساهرة.

الواقع أنني أعرف زوجته وهي ليست جميلة، غير أن بشاعتها ليست مزعجة، يعني تستطيعون أن تقولوا عنها إنها امرأة عادية وغير لافتة للأنظار، عيبها الوحيد أنها (أحيانا) ـ وليس كل حين ـ يصيبها ما يشبه خفة العقل.

وبينما كنت مستغرقا معه في الحديث، وإذا به يقاطعني بالكلام وينتفض ويهب واقفا وهو يقول لي وكأنه يبشرني: لقد جاءت.

ونظرت إليها وهي تدلف من الباب الكبير، وقبل أن تصل إلينا سبقتها رائحة عطورها النفاذة التي كادت تصرعني، وصدمت من منظرها، حقا صدمت، ولا أدري هل هي «بلياتشو»، أم «غولة»؟! وهذا الوصف الأخير هو الأقرب إلى خلقتها.

لقد صبغت المسكينة شعرها باللون الأصفر مع الذهبي «الملعلع» الذي لا يتلاءم إطلاقا مع لون بشرتها، ودهنت أجفانها باللون الأخضر «الفوشي»، ولطخت «براطمها» بالروج الأحمر الناري، وكانت ترتدي فستانا لا يليق إلا بابنة السادسة عشرة من عمرها، وحشرت فيه «جثتها» حشرا، وأكملت أناقتها تلك بعلكة ضخمة تلوكها بين أسنانها الكبيرة المتباعدة، وعندما وصلت إلينا بادرت زوجها قائلة له بدلع: «أرجوك لا تحبني ـ أي (لا تبوسني) ـ أخاف تخرب مكياجي»، في الوقت الذي مدت لي فيه يدها وقربتها من وجهي وهي تعطيني ظهر كفها لكي أقبله، فقلت بصوت خفيض: «أنا أخو فلانة»، ما عاد إلا هي. مددت لها أطراف أصابعي وأنا أهم على الانصراف، ويبدو أن الزوج قد لاحظ ما يعتمل في نفسي فقال لي: إنها (الموضة) يا سيدي، فالنساء عبدات للموضة، ونحن عبيد للنساء.

وما إن سمعَت هي تلك الحكمة التي تفوه بها زوجها حتى داهمتها «خفة العقل» التي أشرت إليها، فما صدقت على الله وظنت أنها إمبراطورة زمانها.

وإذا بها فجأة تلف حول نفسها «180 درجة» وكأنها (مانيكان) وهي تسأل زوجها: هاه إيش رأيك؟! فيجيبها: «ما شاء الله ربي حارسك، خلق وكمل»، وزيادة على إعجابه بها، تناول من جيبه تلفونه المحمول والتقط لها عدة صور سريعة، وسط دهشتي ودهشة الموظفين في «الريسبشن».

ومن زيادة فرحته طوق ساعده على ظهرها الذي يشبه بدون مبالغة: صبّة «الكونكريت»، ودون أن يودعني أو حتى يلتفت إليّ، خرج معها متجهَين إلى سيارتهما المنتظرة.

وقفت برهة، ثم تنفست الصعداء متجها إلى الباب الخارجي، وقبل أن أصل إذا بـ«الغرسون» يلحق بي قائلا: لو سمحت (الحساب).

[email protected]