مجرد انطباعات مراسل قديم

TT

شهدت خلال عملي الصحفي انتخابات كثيرة حول العالم، انتخابات رئاسية في أميركا، وانتخابات عامة في كندا، وانتخابات برلمانية ورئاسية وبلدية في فرنسا وإيطاليا وأيرلندا. ولا أذكر أين أيضا، ربما في الهند وفي إندونيسيا. وشهدت في مراحل شديدة الأهمية انتخابات عامة وانتخابات رئاسية في ألمانيا الغربية. وشهدت فوز فيلي برانت بمنصب عمدة برلين، يوم كانت برلين مركز التحول التاريخي في أوروبا ما بين الغرب والشرق.

وأحب أن أسارع إلى الإيضاح أنني حضرت كل تلك الانتخابات كصحافي صغير قادم من بلد صغير، وليس مثل الزملاء الذين يقررون نتائج الانتخابات الرئاسية في أميركا، ويلعبون دور الوسيط الخفي ـ بكل تواضع ـ في الحرب الباردة. بدأت مراسلا في العشرين من العمر. أدرك ـ برغم جهلي ـ أن الأحداث التي أغطيها أكبر مني بكثير، وأن الرجال الذين أقابلهم أعظم من إدراكي بكثير، وأكبر من بلدي وأكبر من الصحف التي أمثلها. وكم كنت أشعر بالامتنان والفرح إذا أعطاني الحزب الاشتراكي موعدا مع مرشحه فرنسوا ميتيران. أو إذا سمح لي الحزب الشيوعي الفرنسي بمرافقة زعيمه جورج مارشيه في جولة انتخابية. وكم أحرص على صورتي مع جيسكار ديستان في مهرجان انتخابي، ومع أحد أفضل رجال العصر، بيار اليوت ترودو. وكم أقدر لطارق المؤيد، أنه وفر لي أن أرافق مارغريت ثاتشر نهارا كاملا في البحرين.

عشت انتخابات كثيرة في بريطانيا. ورأيت نفسي ذات يوم مع زعيم سابق ـ ومحبب عندي ـ لحزب العمال، ننتظر عند باب رئيس أفريقي، لم يكن يعرف الفرق بين الزعيم العمالي الكبير وبيني.

كنت أمتع النفس في انتخابات البرلمان، وأصل إلى ليون أو باريس أو واشنطن ولا أشعر أن هناك انتخابات. أو أن الانتخابات تملأ الناس حقدا وصراخا وغضبا. ولولا الملصقات في الشوارع لكانت الناس تموت من شدة الملل والهدوء.

أنا الآن في لبنان. محاط بالصراخ والشتائم والسفه والتهديد. والناس خائفة إذا فاز هذا، ومرعوبة إذا فاز ذاك. والجميع يتبادلون الاتهامات الرديئة، وجميعهم طبعا على حق. وللوهلة الأولى، يبدو أن مصير لبنان هو في حناجر هؤلاء السادة. وبالقليل من التأمل يتضح أنه دون ذلك بكثير.