من لبنان إلى إيران

TT

يصعب أن يقاوم المرء في هذه الأيام نزوعا بديهيا نحو المقارنة بين الحملات الإعلانية والإعلامية للانتخابات التي ستجري في لبنان الأحد المقبل، وبين تلك التي ستتم بعدها بأربعة أيام فقط في إيران.

في البلدين حماوة لم تعهدها الانتخابات السابقة. ونتائج الانتخابات في أي منهما ستنعكس على الآخر، لا محالة. إنها حقيقة واضحة وضوح التصريحات التي أطلقها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد حول مصير انتخابات لبنان، إذ اعتبر أن فوز المعارضة في لبنان مؤشر لما يراه انتصارا لمشروع المقاومة، أو «الممانعة» في المنطقة..

الألوان صبغت الشعارات السياسية في لبنان من الأزرق والبرتقالي والأصفر والأحمر، حتى قارب انحياز اللبنانيين إلى ألوانهم حدّ العنصرية. في إيران مروحة لونية مقابلة: من الأخضر والأبيض والأصفر بعد إسقاط اللون البرتقالي، إذ اعتبر لونا يرمز إلى «ثقافة مستوردة»؛ فتم التركيز على ألوان ترتبط بقيم محلية. وسائل الإعلام الإيرانية، خصوصا الرسمية، تتابع مجريات الحملات الانتخابية في لبنان على نحو يومي وكثيف..

في المشهد الانتخابي اللبناني حملات إعلامية وإعلانية ومناظرات وشعارات على نحو لم يسبق أن انخرط فيه اللبنانيون في الانتخابات السابقة، خصوصا تلك التي جرت خلال الحقبة السورية في البلاد. والمناظرات وصلت إلى إيران، وهي ستبدأ خلال أيام بين المرشحين الأربعة للرئاسة، بعد أن تم التمهيد لها بسلسلة من الأفلام عن المتنافسين. وإنْ كانت الانتخابات في لبنان تجري في ظل انقسام أهلي وإعلامي دفع بكثير من الإعلام إلى الانحدار نحو «الشعبوية» والسباب والكذب، فإن انتخابات إيران تتم في ظل إحكام الدولة سلطتها على الإعلام، رغم قدرة واسعة للإيرانيين على التفلت من هذه السيطرة، خصوصا عبر الإعلام الإلكتروني وغير التقليدي. باتت الرسائل الهاتفية، أو مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية مثل «فيس بوك»، و«تويتر» ساحة مهمة لمنافسي نجاد، خصوصا للمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي، وهو ما أجبر السلطة على إعادة السماح للموقعين بالعمل، بعد أن تم حجبهما لبضعة أيام.

الانتخابات في لبنان تجري في أجواء من التفلت الإعلامي والإعلاني، في مقابل محاولات ضبط في إيران.

في الشكل ثمة عدوى انتقلت من لبنان إلى إيران، وربما من مناطق أخرى إلى إيران، وتتمثل في كثرة الألوان، وفي التصريحات والحملات، ودور وسائل الإعلام..

أما في الجوهر، فيبدو أن العدوى معكوسة، إذ إنه من المرجح أن يكون لإيران قوة إرسال مناخها الانتخابي إلى لبنان، فطغيان الشعارات الكبرى على هموم اللوائح، لا سيما الحليفة لأحمدي نجاد، يمثل واحدا من وجوه العقم الديمقراطي الذي حمله الفيروس الانتخابي الإيراني إلى المناخ الانتخابي في لبنان.

وسائل الإعلام بدورها لم تنجُ من هذه العدوى، وهنا نتكلم عن وسائل الإعلام جميعها في لبنان. تراجع الاعتبار المهني إلى أدنى مستوياته لمصلحة الاعتبار السياسي أحد أبرز وجوه هذا العقم. تحول وسائل الإعلام إلى منابر لا حاجة لها لأدنى مصداقية أو موضوعية هو السمة الأبرز في الانتخابات اللبنانية. وهو أمر غير مسبوق في تجارب الإعلام في لبنان، على الرغم من التاريخ غير النقي له.

تلك كانت عدوى الحملات.. أما عدوى ما بعد الانتخابات، فذلك حديث آخر..

diana@ asharqalawsat.com