الذين أقرضوا والذين رفضوا

TT

اسمحوا لي أن أشرح لجنابكم حكاية إفلاس «جنرال موتورز» كما فهمتها أنا. ومن لا يطيق السذاجة الحسابية معفى سلفا من إضاعة الوقت.

أنا أدرك أنه لولا نظام الاقتراض أو التقسيط لكنت تأخرت 5 أو 10 سنوات للحصول على براد وغسالة وتلفزيون وسيارة وأثاث شقة. لكن التقسيط مكنني من الزواج والدخول إلى شقة جيدة في يوم واحد. حاجات المرحلة كانت على قدر القدرة على التقسيط. ثم ذهبنا إلى لندن، فاكتشفنا أن شراء الشقق شبه إلزامي والتقسيط نحو 350 جنيها في الشهر على مدى 25 عاما. وكانت حاجات الإنسان المتوسط لا تزال متناسبة، تقريبا، مع قدرته على الإيفاء. وحدث خلل مرة عندما اشترينا سيارة جديدة ونظام موسيقى من طراز «بانغ آند اولفسن». ثم ازداد الخلل عندما اضطررنا، إضافة إلى الأقساط، أن نستقبل عددا غير محسوب من الأحباء الهاربين من لبنان. وعندما كبر الخلل أصبح هو القاعدة. وأصبح هو نمط حياتنا. وازدادت الضرورات علينا كما على سوانا. وأصبحنا أربعة في البيت والحمد لله، ولكن العامل فينا ظل واحدا.

أفلس أكبر بنك اقتراض في أميركا لأن الخلل أصاب أكبر طبقة من المقترضين. وأفلس أكبر بنك استثماري لأن البنك (وزبائنه) اعتقد أن طريق الربح لا نهاية لها. من دون الاقتراض. كانت أميركا اليوم في نصف حجمها. ونصف سكانها، على الأقل، فقراء. لكن استنادا إلى النظام المالي الذي تعمل به، تضاعف عدد الأثرياء وكبرت الطبقة الوسطى وقل عدد الفقراء. لكن المشكلة أن الفاتورة ظلت تكبر على الجميع. وكما استفاد الكل من الفورة دفع الكل ثمن التقصير. ثم ثمن الانفجار والإفلاس. ففي العام 1974 كان رب العائلة الأميركي مدينا بـ680 مليار دولار، والعام الماضي أصبح مدينا بـ14 تريليون دولار. وفي المعدل النسبي تملك كل عائلة أميركية 13 بطاقة ائتمان وعليها رهن عقاري قيمته 120 ألف دولار.

لم أستطع شراء أي عقار في حياتي إلا بالتقسيط. لكن البنك كان دائما يقرر قدرتي على التسديد. ولولاه لحصل لي ما حصل لأميركا. وعندما أفكر الآن في ما يمكن أن أشتري أرى ذلك كثيرا، لكن أيضا أفكر بمخاطره وأرتدع.لقد تغير علينا هذا العالم من هاتف منزلي وجهاز تلفزيون (لنا ولأهل الحي) وسيارة للجميع، إلى جوال لكل فرد، وسيارة لكل فرد، وإما تحمل سائق التاكسي الذي يريد أن يعرف منك ـ ما بين المطار والبيت ـ رؤيتك للوضع اللبناني والوضع العربي ومستقبل باراك أوباما.

انهارت أهرام «جنرال موتورز» لنفس الأسباب التي جعلت الطبقة الأريستوقراطية تنهار في أوروبا في العصور الوسطى. الاتكال والكسل وفقدان القدرة على المنافسة وتراكم الديون دون حساب. إنها قاعدة قديمة تتكرر دائما بأشكال جديدة وعملات مختلفة. وأنا أشكر البنوك التي أقرضتني والبنوك التي رفضت أن تقرضني. كلاهما كان على حق.