ظرفاء الطفيليين

TT

هنا أيضا، احتلت ظاهرة الطفيلية شرخا كبيرا من الأدب العربي بما خلفته من نكات وطرائف وقصائد ومقالب. من تراث هذا الأدب كثير من الأمثال التي ارتبطت بطفيل بن دلال، فقيل «أوغل من طفيل»، و«أطمع من طفيل». و زعموا أن طفيليا أقبل إلى طعام لم يدع إليه، فقال له صاحب الطعام «من دعاك إلى هذا؟»، فأجابه شعرا:

دعوت نفسي حين لم تدعني

فالحمد لي، لا لك، على الدعوة

وكان ذا أحسن من موعد

مخلفه يدعو إلى الجفوة

وكما نتوقع، سار في خطى عطيل الأعراس الكثير من الظرفاء. كان منهم بنان الطفيلي. وهو عبد الله بن عثمان، وكنيته أبو الحسن، والملقب ببنان. وهو من أهالي مرو، المشهورين بالبخل، قبل رحيله واستقراره في بغداد. وكان كلما استبطأ الطعام، عرض خاتمه على صاحب البيت، وقد نقش عليه: «ما لكم لا تأكلون؟». حكي أن رجلا سأله أن يدعو له، فقال «اللهم ارزقه صحة الجسم، وكثرة الأكل، ودوام الشهوة، ونقاء المعدة، وأمتعه بضرس طحون، ومعدة هضوم، مع السعة والدعة، والأمن والعافية».

ويظهر أنه كان حريصا على تثقيف أتباعه وتدريبهم، فقال لأحد منهم «إذا قعدت على مائدة، وكان موضعك ضيقا، فقل للذي يليك «لعلي قد ضيقت عليك، فإنه سيتأخر إلى الخلف، ويقول موضعي واسع؛ فيتسع عليك الموضع». وطلب منه طفيلي آخر أن يعظه، فقال له «لا تصادفن من الطعام شيئا؛ فترفع يدك عنه، وتقول «لعلي أصادف ما هو أطيب منه»، فإن هذا عجز ووهن». قال له صاحبه «زدني نصيحة»، فأجابه «إذا وجدت خبزا فيه قلة، فكل الحروف، فإن كان كثيرا، فكل الأوساط». قال «زدني»، فقال «لا تكثر من شرب الماء وأنت تأكل، فإنه يصدك عن الأكل، ويمنعك من أن تستوفي». قال «زدني»، فقال «إذا وجدت الطعام، فكل منه أكل من لم يره قط، وتزود منه زاد من لا يراه أبدا». قال «زدني»، فقال له «إذا وجدت الطعام، فاجعله زادك إلى الله تعالى. وإذا دعاك صديق لك، فاقعد يمنة البيت، فإنك ترى ما تحب، وتسودهم في كل شيء، وتسبقهم إلى أكل الخير، وأنت أول من يغسل يديه والمنديل جاف والماء واسع، والخوان بين يديك يوضع، والنقل منتخب يوضع بين يديك، وتكون أول من يتبخر».

ولاحظ الهمذاني عددا من الطفيليين وقد تعلموا كل ذلك من وصايا هذا الأستاذ الخبير بالأكل، فقال فيهم:

خلفتم بنانا فكم من أديب

من الغيظ عض عليكم بنانا

إذا ما النهار بدا ضوؤه

غدوتم خماصا ورحتم بطانا

www.kishtainiat.blogspot.com