الانتخابات اللبنانية: متفقون على المحاصصة ومختلفون على حجم الحصة!

TT

قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إنه إذا فاز «حزب الله» في الانتخابات اللبنانية فهذا يعني فوز المقاومة التي ستغير لبنان وتغير المنطقة.

وقال مهدي كروبي أحد المرشحين المنافسين لأحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية، إذا صوّت الإيرانيون بكثافة فإن وضع إيران سيتغير.

ماذا ينفع أحمدي نجاد أن يفوز «حزب الله» في انتخابات نيابية في لبنان، ويخسر هو في انتخابات رئاسية في إيران؟

«حزب الله» ومعه «حركة أمل» يضمنان أن 80% من شيعة لبنان سيقترعون لتحالفهما. لكن في إيران هناك 45 مليون ناخب، نسبة إقبالهم تقرر الرابح في الانتخابات. فإذا أدلى أقل من 27 مليون ناخب بأصواتهم فإن الفائز سيكون أحمدي نجاد الذي يضمن أصوات 13 مليوناً من المتشددين، لكن إذا تجاوز عدد الناخبين الثلاثين مليوناً فان الفائز، في الدورة الثانية سيكون مير حسين موسوي. في لبنان يتراشق المرشحون باتهامات تمس ذممهم المالية، ومع هذا يستمرون في حملاتهم، لا يوقفهم شيء. في بريطانيا، تورط وزراء ونواب بتطبيق القانون للحصول على مصاريف إضافية، تهمتهم أنهم استغلوا القانون حتى آخر نقطة، ثار الرأي العام عليهم، خجلوا من أنفسهم، اعترفوا واعتذروا ووعدوا بإعادة المال، لكن هذا لم يكف، بل بناء على قرارات من أحزابهم، لن يُسمح لهم بالعودة إلى مزاولة الحياة السياسية.

الرأي العام البريطاني اتخذ موقفاً موحداً من كل هؤلاء، لأنهم استفادوا، باسم القانون من أموال دافعي الضرائب. الرأي العام قرر معاقبتهم ومقاطعة الانتخابات الفرعية التي ستجري في المملكة المتحدة اليوم الخميس مع الانتخابات الأوروبية.

الكنيسة توجست من أن يكون العقاب اقتراعاً للحزب الوطني البريطاني، اليميني المتطرف، فوجهت نداء تعترف فيه بحق الناخبين في الغضب، إنما تدعوهم إلى تجنب الاقتراع الاحتجاجي والتصويت لحزب متطرف.

في بريطانيا وصلت إلى كل منزل رسالة اعتذار من رؤساء الأحزاب، بينهم رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، عن ممارسات النواب. في لبنان، نجلس أمام شاشات التلفزيون لنتابع ما يجري. ماذا نسمع؟ هذا يريد أن يعلق المشنقة لآخر! وهذا يصف زعيم طائفة بأكملها بأنها «جنس عاطل». زعيم آخر يعتبر الآخرين لا يصلون إلى مستوى حزامه. ماذا تكون ردة الفعل؟ الجمهور يصفق ثملاً، الزعماء يتبادلون الابتسامات والأحاديث الصغيرة وأحيانا القبلات في ما يسمى بجلسات الحوار.

في المهرجانات الانتخابية، وفي الساعات المخصصة للانتخابات في الاقنية التلفزيونية، لا نسمع سوى مهاترات، وشتائم، وفتح ملفات الماضي الأسود (المشكلة الحقيقية في لبنان أنه لم تحدث مصالحة وطنية، كما في جنوب أفريقيا، ليستقيم الوضع إذ ليس في لبنان من نلسون مانديلا، ولا من ديزموند توتو). لم يطرح أحد من المحاورين/ المرشحين برنامجاً اقتصادياً مفصلاً، مشروعاً واحداً، نعرف أن الحرب المقبلة ستكون حرب مياه، لم يتقدم أي مرشح بدراسة عن إقامة السدود التي يستطيع لبنان استيعابها والمحافظة على مياهه، لا بل التوزيع منها، فقط مرشح شاب اسمه: ادمون بطرس، مرشح يتيم عن الأقليات، طرح مشروعه لحماية وتشجيع الصناعات اللبنانية، كان الوحيد الذي تكلم بمعرفة وإخلاص وحرقة.

بعض المرشحين في لبنان لا يستحي. أحدهم في إحدى المقابلات التلفزيونية التي أتحفنا فيها بالقيم والمبادئ والطعن بالظهر، كان جالساً في صالون منزله حول طاولة قاعدتها «رأس عامود اثري»، ووراءه أسدان أثريان، وعلى الرف أوان نحاسية أثرية.

يعيد البعض المستوى المتدني في الحملات الانتخابية، بشكل عام، إلى قانون الانتخاب الذي اتفق عليه في الدوحة، لأنه أكد على قضية المذاهب والطوائف في لبنان، وثبت زعامة الرؤوس الخمسة، أي: حسن نصر الله، ونبيه بري، وميشال عون، وسعد الحريري ووليد جنبلاط.

تبين أن هؤلاء، بطريقة ما تفاهموا في ما بينهم حول تقاسم الطوائف، وتأكيد أحادية الزعامة لكل منهم. وكل منهم يدعم زعامة الآخر. والتوجه الآن أن يكون هناك زعيم واحد أوحد لكل طائفة، أي عكس النظام اللبناني ما قبل الطائف. ويقول جواد عدرا رئيس تحرير «الدولية للمعلومات»: «إن الدوحة تبنت عدم إمكانية إنشاء دولة مركزية، وصارت الوزارات بمثابة نوع من الخدمات للزعماء. الزعيم صار يرفض أن يكون وزيراً، بل يعين أتباعه. وهذا يعني أن الدولة المركزية لم تعد مطلباً». اسأل عدرا عن الأموال التي يُحكى أنها تصرف في هذه الحملة يجيب: «أن القانون الحالي يسمح بصرف 340 مليون دولار، وهذا مبلغ ضخم، مع العلم أن ما صُرف ويصرف أكثر من ذلك».

من أين سيأتي المرشح بالمال؟ ويتساءل عدرا، عما إذا كان أحد المرشحين أو زعماء الطوائف يملك الجرأة ويكشف عن حسابه وحساب عائلته؟

من خلال حملات «الزعماء» والأحزاب، نلاحظ أن الكل يُجمع على بناء الدولة المدنية. «حزب الله» طرح بناء الدولة المدنية، تيار «المستقبل» كذلك، أيضاً وليد جنبلاط وميشال عون. إذن الكل غير مختلف على هذا الطرح، إنما الناس لا ينوون الاقتراع بناء على البرنامج المعلن، إنما على البرنامج المستتر. أي الانتخاب للطائفة ولزعيم الطائفة ولكل ما يقوم به، ثم إن الناخب اللبناني ينتخب «نكاية» وتحدياً للطرف الآخر، وهذا يؤكد كما يقول عدرا: «أن القانون المعتمد يشجع الانقسام في البلد، ويثبت الطائفية المذهبية، ويحث على صرف الأموال وشراء الأصوات، ويحّرض على كلام التحدي والنكاية».

المعركة الانتخابية في المناطق الشيعية والسنية والدرزية محسومة تقريباً، وهي تبقى مشتعلة في المناطق المسيحية مثل الأشرفية، وزحله والمتن. أهم الأصوات فيها للأرمن الذين باختصار سيقررون الأكثرية الفائزة في الانتخابات، لكن من سيقرر لاحقاً من هي الأكثرية ومن هي المعارضة؟ إنها التحالفات التي ستجري بعد إعلان النتائج. إذ قد ينشق قسم من «14 آذار» ويصبحون معارضة أو العكس. الأسئلة تحوم الآن حول الخطوات المستقبلية لوليد جنبلاط ونبيه بري، وربما تقرر كتلة الطاشناق الأرمنية الوقوف على الحياد. لكن كل هذه التنقلات ستحدث بناء على تفاهمات إقليمية ودولية، وليس على قرار لبناني.

في الانتخابات اللبنانية الناخب لبناني، إنما عملياً تخوض الانتخابات في لبنان الولايات المتحدة، وسوريا وإيران، وغيرها، وبالتالي هم من سيقررون التحالفات سواء بوعي اللاعبين المحليين أو بلا وعيهم. وإذا لم يحصل تفاهم إقليمي ودولي ستكون ولادة الحكومة المقبلة عسيرة وكذلك انتخاب رئيس مجلس النواب. وسيدخل لبنان مجدداً في مرحلة خلل دستوري بانتظار أن تتفاهم الأطراف غير اللبنانية.

هناك مشكلة أخرى، فإذا فازت الأغلبية الحالية ورفضت مبدأ «الثلث المعطل»، فقد تصر المعارضة على المشاركة حسب النسبة البرلمانية التي لديها، فإذا وافق رئيس الجمهورية على طرح الأكثرية يكون قد دخل في مشكلة مع المعارضة. وتجنباً لهذا، طرح البعض فكرة الكتلة الوسطية، لكن هناك من فسرها بأنها لحرمان الجنرال ميشال عون من زعامة المسيحيين على أساس أنه قد يترأس أكبر كتلة مسيحية وربما برلمانية في المجلس المقبل. وبتشكيل الكتلة الوسطية، لا يكون الزعيم الماروني عون بل رئيس الجمهورية ميشال سليمان.

لكن، وحسب عدرا، فإن الكتلة الوسطية لا يمكن أن تنشأ إلا برغبة إقليمية ودولية، ولأن من يريد أن يكون في الوسط عليه أن يأخذ موافقة من الخارج. وليس هو أو رئيس الجمهورية من يقرر. يقول البعض، من يريد تقوية رئيس الجمهورية لا «يعيره» كتلة نيابية، بل يطرح تعديل صلاحياته، بحيث تكون لديه سلطة حل مجلس النواب وإقالة الوزارة، وسلطة على الهيئات الرقابية. ثم إذا لم تأت الوسطية برضا كل الأطراف اللبنانية تصبح خطراً على دور رئيس الجمهورية، خصوصاً أن الأطراف هذه، ليست متفقة على إعادة صلاحيات رئيس الجمهورية. الآن، إذا سقط أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة في إيران، يعني هذا أن قراراً إيرانياً اتخذ من أجل التهدئة الفعلية، لكن هذه العملية تحتاج إلى عامل الزمن. والانتخابات اللبنانية تجري في وقت تتزايد فيه حماوة الاتصالات الإقليمية والدولية وتتجه نحو التهدئة. لهذا وبانتظار الدورة الثانية من الانتخابات الإيرانية، وبانتظار الرحلة التي سيقوم بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى روسيا في السابع من الشهر المقبل، قد تبقى حكومة فؤاد السنيورة في لبنان لتسيير الأعمال بانتظار التفاهم أو اللاتفاهم الإقليمي ـ الدولي.

يوم الأحد المقبل تجري الانتخابات في لبنان، الطرفان يخوضان المعركة من أجل الفوز. لكن، كل طرف في لبنان يشعر بأن كيانه الطائفي مهدد، لأن النظام مركب على مبدأ الخوف من الآخر. لا شراكة في لبنان، إنما محاصصة والاختلاف على حجم الحصة.

في النهاية، ما بين «8 آذار» و«14 آذار»، وما سينتج عنهما، فإن لبنان لن يربح المليون قريباً.