خيار إيران: ثورة دائمة أم خومينية في دولة واحدة؟

TT

قبل أسبوع واحد من يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، فإنه من الصعب التنبؤ بالنتيجة بشكل قاطع. ومن الناحية الظاهرية، يصعب تخيل أن تسمح النخبة الحاكمة بإبعاد الرئيس الحالي عبر عملية انتخابية، لأن ذلك سيكون معادلا لرفض النظام بأكمله، خاصة أن أداء النظام خلال السنوات الأربع الماضية كان يبعث على القلق. ولأن الكثيرين يعتقدون أن المرشد الأعلى وليس الرئيس هو من له سلطات أكبر في صنع القرار داخل النظام الخوميني فإن التصويت ضد نجاد سوف يتم تأويله على أنه تصويت ضد علي خامنئي.

قبل أربع سنوات، لم يكن نجاد هو خيار خامنئي الأول، ولكنه تمكن من الفوز بفارق ضئيل في الجولة الثانية المثيرة للجدل من التصويت.

وخلال السنوات الأربع الماضية استطاع الرجلان تطوير ما يبدو أنه علاقة مقربة، فقد استطاع نجاد أن يحصل على بعض إعجاب خامنئي، ومع ذلك فإن المفاجآت ممكنة.

يمكن أن تحدث تلك المفاجأة وفقا لأحد السيناريوهات التالية:

في السيناريو الأول: يستطيع مجلس الخبراء ـ الذي يمثل حكومة موازية ـ إقناع خامنئي بأن نجاد قد أدى دوره ويجب أن يرحل. لقد استطاع نجاد أن يحقق إنجازين حيويين للنظام؛ كان أولهما نجاحه في إعادة النشاط إلى القاعدة الشعبية الخومينية بخطابه الشعبي الراديكالي. وقبل أربع سنوات كان النظام يبدو وكأنه يتكون من مجموعة من الفقهاء متوسطي العلم ذوي المصالح الاقتصادية الذين يديرون الدولة وكأنها شركة صغيرة لصالحهم الخاص. وكانت القاعدة الشعبية المضطهدة ترى نفسها ضحية خدعة تاريخية كبرى.

ولكن تحت قيادة أحمدي نجاد أصبح جيل جديد من الثوريين في الطليعة طارحا نموذجا للاستقامة والولاء ومطمئنا المضطهدين بأن ما ضاع ليس كل شيء.

وكان النجاح الثاني لنجاد هو صموده أمام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد القضية النووية. فالإيرانيون يرون أن نجاد استطاع أن يجبر الرئيس باراك أوباما على نهج سياسة التحاور رافعا قبعته احتراما ومتخليا عن تهديدات جورج بوش بتغيير النظام.

ويعتقد المحللون الإيرانيون أن أوباما سوف يتخذ خطوات للوراء كي يسترضي إيران ويقلل الفشل الكبير لتوجهات السياسة الخارجية الأميركية. وسيفتح ذلك الطريق أمام إيران لتحقيق طموحها الذي كانت تتوق إليه منذ زمن بعيد بتحقيق السيطرة الإقليمية.

ولكن المشكلة أن أحمدي نجاد ربما لا يقنع بتحقيق نصر جزئي، فحتى بعض المحيطين به يزعمون أنه رجل لا يعرف أين أو متى يتوقف.

وفي ملاحظة كاشفة، منذ سنتين قارن نجاد سياساته بالتقدم السريع بدون مكابح. ومن ثم فإن شعبيته يمكن أن تضعف شرعية النظام لأنها سوف تظهر الشخصيات الرئيسية في النظام بمظهر بارونات المافيا المتورطين في عمليات نهب منهجية لموارد الدولة، حيث أحبط نجاد العديد من ممارسات الفساد وهدد بتقديم شخصيات رئيسية للعدالة، إلا أنه حتى الآن تجنب اصطياد الطريدة الكبرى، ولكنه ربما يفعل ذلك إذا أعيد انتخابه. وإظهار الكثيرين من الآباء التاريخيين للثورة بمظهر بارونات المافيا سيضر بالتأكيد بمزاعم شرعية النظام.

وهناك أيضا دلالات على أن خامنئي، الذي تأثر بالمستشار الأعلى للشئون الدولية ووزير الخارجية السابق علي أكبر ولاياتي، ربما لا يعارض بقوة سياسة التحاور مع الولايات المتحدة، بينما يعتقد نجاد أن الجمهورية الإسلامية يجب ألا تعطي أي شيء للولايات المتحدة، فضلا عن أن تنسى جرائمها السابقة.

ويبدو نجاد مقتنعا تماما بأن الولايات المتحدة قوة يأفل نجمها وأنها تسير على طريق السقوط المحقق والهزيمة، مثلها مثل باقي الإمبراطوريات في التاريخ، حيث يقول ذلك في إحدى عباراته المفضلة: «لقد انتهت أميركا.. انتهت»!

وعلى نفس السياق يضيف نجاد أنه من الحماقة أن تساعد إيران على مد أسطورة قيادة أميركا العالمية بتقديم تسويات.

ولكن خامنئي وولاياتي لا يتفقان مع ذلك التحليل، فهما لا يعتقدان أن أميركا قد انتهت ويتخوفان من أن أميركا المصابة ربما تكون أكثر خطورة ـ حتى في ظل شخص ضعيف مثل أوباما ـ إذا ما تم الضغط عليها.

ومن ثم فإنه إذا كان خامنئي يريد أن يلتزم بتلك الرؤية في سياساته الداخلية والخارجية فسيكون عليه اختيار رحيل نجاد. وفي تلك الحالة يمكن أن يرتب النتائج بإشارة بسيطة ويمكن أن تقوم الماكينة العسكرية الأمنية التي يتحكم فيها بالتنفيذ.

وبافتراض أن نجاد لا يرغب في أن يغير رؤيته فإنه من الممكن كذلك أن يخسر وفقا للسيناريو الثاني، ففي هذا السيناريو ربما يلعب الناس ـ الذين يلعبون دورا مجردا وحاسما في التاريخ ـ دورا رئيسيا.

وهذه هي الطريقة التي يمكن أن يحدث بها ذلك: عشرات الملايين من الناس يتوجهون للتصويت محطمين التوقعات بأن تكون نسب التصويت ضعيفة (حوالي 50 مليون أصواتهم صالحة بالرغم من أن الحكومة تقول إن 46.2 مليون فقط قد سجلوا أسماءهم.) وإذا صوتت تلك الجماهير ضد نجاد تسجيلا لرفضها للنظام فإنهم ربما يبقون في اللجان الانتخابية حتى يتم فرز جميع الأصوات وعدها والإعلان عن النتيجة. فحوالي المليونين من المتطوعين المخلصين الذين يستحوذون على حوالي 36 ألف لجنة انتخابية رئيسية يمكن أن يمنعوا السلطات من تحقيق النتائج المرجوة. وقد حدث شيء مماثل في 1997 عندما فاز محمد خاتمي بالرئاسة ضد مرشح خامنئي المفضل آية الله ناطق نوري.

ولكنني متأكد من أن حشد مثل ذلك الجمهور ضد نجاد لن يكون سهلا، فنجاد له شعبية كبيرة في معسكره، بينما كان يفتقر ناطق نوري للشعبية، كما أنه فقيه ورجل أعمال مثير للجدل. وبالنسبة لجمهور الخومينية الذين يشكلون حوالي 10% إلى 15% من السكان فإن نجاد يظل المرشح الأول بفارق كبير.

كما أن أيا من منافسي نجاد الثلاث ليس لديه كاريزما خاتمي أو الصورة الطيبة التي ظهر بها في 1997، فمنافسه الرئيسي مير حسين موساوي فشل في أن يطرح خطابا له مصداقية، والمنافس الثاني، مهدي كروبي شيخ إصلاحي يأتي في الوقت الذي اكتفى فيه الإيرانيون من الفقهاء، والثالث هو الجنرال السابق محسن رضائي والذي يعتبر نسخة مخففة من نجاد وقد فشل في أن يترك انطباعا.

وبالرغم من أن المرشحين ينتمون للنظام فإن إيران ما زال لديها الخيار يوم الجمعة المقبل: فإما ثورة دائمة أو خومينية في دولة واحدة.