ماذا يريد العرب من أوباما.. وماذا يريد أوباما من العرب؟

TT

وصل الرئيس الأميركي إلى المنطقة فزار المملكة العربية السعودية، ومضى إلى مصر، ويزور بعدهما الأردن. ولهذه الزيارات خريطة وتاريخ. فقبل شهر ونصف، وعلى مشارف زيارة ملك الأردن عبد الله الثاني للولايات المتحدة، اجتمع وزراء الخارجية العرب، وجاء وفد منهم إلى عمان، حيث صاغ المطالب العربية التي حملها الملك الأردني إلى الرئيس الأميركي. وقد تضمنت الرسالة العربية «خارطة للطريق» في ظل المبادرة العربية للسلام، مؤداها أمران هما المدخل للتفاوض الشامل مع إسرائيل: وقف الاستيطان، والقول بحل الدولتين. أما الأمور الأخرى، ومن ضمنها «خارطة الطريق» الخالدة فتتصل بالمسائل الإجرائية، ويمكن سلوكها لكن بعد تحدُّد الهدف من التفاوض وهو الدولة الفلسطينية المستقلة، وبعد البدء ببناء إجراءات «الثقة» من جانب إسرائيل بوقف الاستيطان على الفور. وقبل أن يعود الملك الأردني من واشنطن، واجهته مشكلتان؛ إحداهما إسرائيلية والأخرى إيرانية. أما أنصار إيران في المشرق العربي، المعروفون بمعسكر الممانعة، فقد أشاعوا أن الملك إنما أراد التخلي عن «حق العودة» لتسهيل الدخول في التفاوض على إسرائيل! وأما الإسرائيليون وأنصارهم في الولايات المتحدة، فقالوا إن الجانب العربي هو الذي ينبغي أن يبدأ بخطوات «بناء الثقة» بالمبادرة إلى التقارب مع إسرائيل بسبل شتى، ومنها إقامة أشكال من العلاقات، ومنها التضامن في مواجهة إيران! أما المشكلة الإيرانية فقد أمكن إخمادها لأنها ما كانت غير تسريبات إعلامية واضحة الهدف. في حين انصرفت الصحف الأميركية والإسرائيلية إلى الأخذ والرد والتطويل فيما يجب على العرب أن يفعلوه قبل أن تنعم عليهم إسرائيل بقبول الدخول في التفاوض، أما الهدف من العودة لتلافيف «خارطة الطريق» (وهو حل الدولتين الذي أعلنت الحكومة الإسرائيلية بأشكال شتى عن عدم قبولها به رغم إعلانات أوباما) فيبقى علمه عند إيباك وليبرمان وأشياعهما!

وعلى أي حال، فبعد عودة الملك الأردني من الولايات المتحدة، وطوافه على العرب الكبار، أُعلن عن زيارة الرئيس الأميركي لمصر وخطابه التاريخي فيها. ثم أُعلن عن زيارته للمملكة العربية السعودية قبل مصر، وللأردن بعد مصر. ثم مضى إلى الولايات المتحدة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فزاد من التأكيد على المبادئ والخطوات التي كان الملك الأردني قد حملها، وعاد فطاف على العرب الكبار وعلى الأردن. ولزيارة محمود عباس ـ كما لزيارة ملك الأردن ـ للولايات المتحدة وللعرب، أهمية فائقة لسبب واضح. فالشعب الفلسطيني قسمان رئيسيان: القسم المستقر بالضفة وغزة وفلسطين القديمة. والقسم الموزع على المهاجر والمنافي، وأهمها الأردن. فقد درج المعلقون اللبنانيون والسياسيون اللبنانيون والأجانب، على الحديث عن مشكلة اللاجئين باعتبار لبنان بؤرتها، وأحيانا سورية، وحتى مصر. واليمينيون الإسرائيليون وحدهم هم الذين ظلوا يعتبرون الأردن (الذي يحتضن أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني) هو الوطن البديل للفلسطينيين! فكيف يساوم الأردن أو غيره من العرب العارفين على حق العودة للفلسطينيين، وهم يعرفون أن معنى ذلك إلغاء الأردن وإنهاء القضية الفلسطينية؟! إن أي حل للقضية الفلسطينية الآن إنما يرتكز على هذين الجناحين: الجناح المستقر بفلسطين، والجناح المهجر بالأردن. والعرب الكبار إنما هم السقف السياسي الضامن، من خلال المبادرة العربية أولا، ومن خلال التضامن الذي لا يتزعزع مع محمود عباس ومع عبد الله الثاني.

جاء الرئيس الأميركي إذن إلى المنطقة بادئا بزيارة المملكة العربية السعودية، لاستعراض الموقف الاستراتيجي بالمنطقة، ولاستكمال التشاور بشأن الخطة التي تنفذ رؤيته لحل الدولتين. وقد سبقت زيارته بيومين رسالة من الرئيس مبارك إلى الملك عبد الله بن عبد العزيز في سياق الموقف الواحد ذاته. وفي مصر سيعود الرئيس أوباما إلى تأكيد رؤيته للعلاقة الودودة بين الولايات المتحدة والإسلام. ولا شك أن رؤيته العامة للسلام وللعلاقات بمنطقة الشرق الأوسط تحظى أيضا بالاهتمام. أما الخطة الأميركية نفسها فلن تتبلور معالمها إلا بعد أيام، عندما تأتي وزيرة الخارجية الأميركية، أو يأتي مبعوثه جورج ميتشل، حيث يصبح واضحا أين يمكن للمرء أن يضع قدمه، وسط الانكبات الإسرائيلي والتهديد بالعودة لسياسات القوة التي لم تفارقها إسرائيل على أي حال!

إن المطلوب من العرب فيما وراء المبادرة العربية للسلام، ترتيب صفوفهم وأولوياتهم. فلا بديل عن الوقوف من وراء السلطة الفلسطينية ومحمود عباس دونما تردد أو إبطاء. لقد مضت شهور وشهور على خراب غزة على يد إسرائيل، وتاه المفاوضون الفلسطينيون بالقاهرة بين النقط والفواصل. وحماس ليست خيارا لا لغزة ولا لفلسطين لا في الحرب ولا في السلم. وكم يبدو الأمر مأساويا الآن ترك غزة باعتبارها معزلا أو غيتو ـ وهي أصل الثورة الفلسطينية على الاحتلال ـ والانصراف إلى الناحية الأخرى، ونحن مهيضو الجناح بسبب الانقسام وانقسام الانقسام. وقد واجهت الأمة العربية تحديات كبرى في تاريخها المعاصر، والقضية الفلسطينية هي رأس هذه التحديات ولا تزال؛ وبخاصة بعد الانقسام. وفي هذا الأمر بالذات ما عادت التعلة بإيران وتدخلاتها كافية أو معقولة بعد أن عشنا على ذلك حتى حرب غزة الأخيرة. فينبغي أن نكون قادرين على استيعاب حماس وغير حماس وبقوة مصر لا ببطشها. ومستقبل فلسطين الشاسع الآفاق لقيامه على الأمل والعمل، لا على الدماء والأشلاء، كفيل بتبيان الإرادة الحقيقية للشعب الفلسطيني، وهل يريد النظام الحماسي، أم النظام الآخر العباسي وغير العباسي. ليس من المعقول أن تُنسى الأهداف التحررية لنضال الفلسطينيين، وأن ننصرف للتصارع من أجل السيطرة على أرض محتلة، تستنزف شعبها كل يوم طائرات العدو ومدفعيته، والتنافس باستخدام السلاح بين حكومتيه بل حكوماته!

وما قال أوباما غير كلام بخطوط عريضة بشأن حل الدولتين. ويمكن القول أيضا إنه ضد الاستيطان باعتباره عائقا أمام السلام، وأمام خطوطه العريضة. لكن ما لا شك فيه أنه يريد شريكا عربيا وفلسطينيا قويا، والوضع الفلسطيني الحالي، كما الوضع العربي، لا يتيح ظهور هذا الشريك، سواء لجهة التعامل مع مسألة السلام، أو لجهة التعامل مع التدخلات الإقليمية وبخاصة تلك الآتية من جانب إيران. لكن قبل الدخول إلى تحديات الوضع الإقليمي، هناك التحديات الحقيقية التي يطرحها حل الدولتين ذاته. فإسرائيل تريد أن نسلم لها أيضا بأنها دولة يهودية، ما دمنا نريد دولة عربية لأهل فلسطين في الداخل والشتات. واليهودية الآن، بل ومنذ قيام إسرائيل دين وقومية، ولا كذلك الأمر مع الدولة الفلسطينية القائمة أو الموعودة. فكما أنه ليس من مصلحتنا خنق الضفة الغربية والقدس بالمستوطنات؛ كذلك ليس من صالحنا القول بيهودية الكيان؛ لأن ذلك يتهدد مليونا ونصف المليون من الفلسطينيين الذين يعيشون على أرضهم بفلسطين الكيان، بالتهجير أو البقاء في وضع الأقلية المغلوبة على أمرها.

ولست أدري كيف سيتعامل أوباما مع إيران من خلال التفاوض، بعد أن تعامل الأميركيون والإيرانيون والإسرائيليون أيام بوش كما تتعامل الذئاب مع الفرائس من أفغانستان إلى باكستان إلى المشرق العربي وآسيا الوسطى. وقد كنا نحن العرب بين أكبر الفرائس والضحايا. وقد اكتفينا بالتذمر من الطرفين لفترة طويلة وشاقة. وما استطعنا حفظ الحرية أو الاستقرار الداخلي في العراق ولبنان وفلسطين. وأوباما يبشر الآن بعهد للوفاق والحوار والتفاوض. بيد أن الذين أفادوا من الفوضى والخروج على القواعد سابقا، مثل إسرائيل وإيران، لا يسهل عليهم التلاؤم مع الوضع الجديد. وهم يتعرضون وسيتعرضون لضغوط من بينها كشف المستور، والتهديد بالمحاسبة على الماضي. ومن مصلحتنا نحن أن نعرف مصالحنا بوضوح، وأن نحدد أهدافنا ليس في فلسطين فقط؛ بل وفي سائر أنحاء المشرق العربي. وهي لا تتلاقى مع المصالح الإسرائيلية بالتأكيد. ولذا؛ فإنه رغم الانزعاج الشديد من التدخلات الإيرانية؛ لا يجدر الدخول في تحالفات على طريقة: عدو عدوي صديقي! وهذا شأن صعب وسط مساعي إيران الحثيثة لتكوين محور أشار إليه الأمين العام لحزب الله بلبنان، كما تشير إليه تصريحات رئيس الوزراء العراقي ضد السعودية، وذهابه إلى طهران مع حليفه ومنافسه عبد العزيز الحكيم قبل أيام. إن علينا الآن، وأكثر من أي وقت مضى أن نحدد علاقاتنا بالجوار وبالعالم على أساسين: السلام الشامل والعادل في المنطقة على أن يكون من ثماره أو نتائجه تحرير الأرض العربية وإقامة الدولة الفلسطينية، والقطب الآخر الاستقرار ومنع التدخلات الخارجية المقسمة والمشرذمة. وعلى هذين الأساسين يكون الموقف من أي طرف خارجي إقليمي أو دولي.

ماذا يريد أوباما من العرب، وماذا يريدون منه؟ الإجابة على هذا السؤال بطرفيه ليست سهلة؛ لكن العبء ثقيل، وأكثره واقع على العرب.1