بؤس الأرقام

TT

ما هي الأرقام؟ لعلها أبجدية أخرى، لكنها موحدة في جميع أنحاء الأرض. الذي لا يملك آلة حاسبة أو كمبيوتر، لا يزال يملك أصابع يديه. والنتيجة واحدة. جدول الضرب واحد في الصين وفي فرنسا وفي بلاد الزولو. ونتيجة القسمة واحدة، في هوليوود وفي أذربيجان. لكن الأرقام تختلف عن الحرف، في أنها يمكن أن تبعث الفرح أو الحزن، بسرعة مضاعفة. تصور الفرق بين ربح مليون دولار أو خسارة ألف دولار.

مع أن الأرقام واحدة وكسورها واحدة وجداولها واحدة، غير أن «معانيها» تتغير بشكل عاصف، من مكان إلى مكان. كل عام يتصدر خمسة هنود لائحة أغنى 500 شخص في بريطانيا. عشرات المليارات. لكن بطل فيلم «مليونير حي الصفيح» تغيرت حياته وحياة عائلته وحارته عندما فاز بمليون روبية. ولم يصدقه أحد أنه مؤهل للفوز. وعذبته الشرطة بالكهرباء لكي «تنتزع منه الحقيقة».

هل يمكن أن تحقق الشرطة الأميركية مع بيل غيتس لأنه يملك 65 مليار دولار، أو لأن نصفها ذاب دون أن يعرف كيف؟ حتى السبعينات كنا نسمي في لبنان «مليونيراً» كل من يملك ثروة تزيد على 200 ألف ليرة. وعندما أخبرني والدي أن أحد أصدقائه في المقهى يملك 900 ألف ليرة، اعتقدت أن أبي وقع ضحية دجال دولي.

أتابع دائماً الزحف الصيني نحو قمة العالم. وأنا مقتنع بقول لي كوان يو (الصيني هو أيضاً) بأن الأجيال الصينية المقبلة سوف تصاب بالغرور وتطلب السيادة على العالم. أما الحكام الحاليون فما زالت تردعهم عقدة ثورات ماو تسي تونغ، في الداخل والخارج، و40 مليونا من ضحاياها. وأقرأ منذ سنوات (وأسمع، خصوصاً من أصدقائي السودانيين) كيف تتمدد الصين في القارة الأفريقية بجدة وصرامة وجهد يشبه النحل والنمل. وأعتقد أن الصين تقدمت أوروبا وأميركا نسبياً في القارة. وقبل عامين عقدت في بكين قمة حول العلاقات الأفريقية ـ الصينية حضرها 48 زعيم دولة، في حدث غير مسبوق.

كم، في لغة الأرقام، يكلف ذلك الصين، التي تحمي الاقتصاد الأميركي من الإفلاس؟ غريبة لغة الأرقام: كان مجموع مساعدات (وقروض) الصين للقارة السمراء 5 مليارات دولار فأصبح يا مولانا عشرة! 1.3 مليار صيني يكتسحون قارة برمتها، برقم مكتوب بحبر غير مقروء على لائحة فوربس حول أغنياء العالم.

في العالم التجاري الحالي لم تعد 10 مليارات دولار تشكل أكثر من رأسمال شركة بقاليات أو شركة مقاهٍ. وتبلغ موازنة أميركا الشمالية نحو 350 مليار دولار سنوياً، أي بحوالي 5% منها تستطيع أن تهزم الصين في أفريقيا وأن تعمر جزءاً منها.