جنازة حارة والميت..؟!

TT

المثل الشعبي يقول: الجنازة حارة والميت كلب. والمعنى أن الذي مات لا يستحق هذه الجنازة.. ولكن هناك مثل شعبي آخر يقول: لما مات كلب سيادة القاضي، سارت البلد في جنازته، ولما مات القاضي لم يمشِ أحد في جنازته.. والمعنى أنه ليس الكلب وإنما صاحب الكلب. من أجل صاحب الكلب كانت الجنازة طويلة دامعة..

وحدث في التاريخ أن أقيمت جنازات للخيول والكلاب أيضا، ولنفس السبب، أي لأهمية صاحب الحصان وصاحب الكلب.. وكثيرا ما أوصى أناس بثرواتهم لكلابهم.. إما لأنهم بلا ورثة وإما لأن لهم ورثة لا يستحقون هذه الأموال..

وقد حدث مرة واحدة في التاريخ أن امتدت جنازة مسافة طويلة، والناس في غاية الحزن والأسى، ومعظمهم كان يبكي، لا بسبب الذي مات ولكن مجاملة للشاعر الروماني الكبير فرجيل. فقد كانت الجنازة لذبابة، والذبابة كانت حبه الوحيد، وحشرته المفضلة، ويقال إنه تعهدها بالعناية والرعاية حتى كبرت وتدللت.

وماتت، أو هو قتلها، لا نعرف. وأقام لها ضريحا فخما وسط حديقة وعيون مائية وورود وزهور.. أما الحزن فواضح جدا على الشاعر الذي نظم في الذبابة أبياتا من الشعر. وتلقى العزاء من الشعراء أبياتا وأغنيات.. وكلها تتحدث عن مآثر هذه الذبابة، التي يكفيها شرفا أن أحبها وجمع الناس حولها ووراءها الشاعر العظيم فرجيل. ومن بين الناس وزراء وأعضاء مجلس الشيوخ وحكام الولايات وشعراء ومطربون..

أما سبب هذه الجنازة فلا يخطر على البال، ففي ذلك الوقت كانت الحكومة تصادر أملاك الشعب من أجل المجهود الحربي. وبسرعة اخترع فرجيل حكاية موت الذبابة ومقبرتها لأن القانون يقول: تصادر الدولة أية أملاك بشرط ألا يكون طيها مقابر. ولم ينص القانون على إن كان المتوفى إنسانا أو حيوانا أو حشرة!

برافو شاعرنا الكبير صاحب الجنازة الحارة والميت: ذبابة!