أشرار العرب وأشرار اليهود

TT

كانت أكثر خطبة شاهدها العرب في تاريخهم المعاصر، ملايين العرب احتشدوا أمام التلفزيونات التي اتفقت على نقل كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما في حالة إعلامية نادرة في المنطقة، في انقلاب على الوضع السابق عندما كانوا يحتشدون لمشاهدة أشرطة وخطب بن لادن، «الأوبامية» صارت ظاهرة عربية أيضا.

النتيجة جاءت مثيرة، الرئيس الأميركي فاز بقلب العرب الذي على مدى أربعة عقود امتلأ غضبا وكراهية. ولأن محبة الرئيس ظاهرة جديدة اضطرت خصومه، من العرب المعارضين، إلى الانحناء للعاصفة والاكتفاء بانتقادات تقنية قالوها بلغة لينة، «إن خطاب أوباما مليء بالتناقضات»، و«إن خطابه إنشائي».

لكن هناك سيئين من العرب، ومثلهم سيئين من اليهود، لم ولن يدخروا وسعا فيما بعد لتخريب الانتصار الدعائي والسياسي لأوباما. ففي إسرائيل بدأت حملة هجومية تشكك في نوايا أوباما، لا مشروعه السياسي فقط، باتهامه بالعداء لليهود. وفي الجانب العربي، والإيراني أيضا، يجري التشكيك في نوايا أوباما وبرنامجه السياسي.

أما الخاسر الأول من نجاح أوباما فهو تنظيم القاعدة الذي حاول التخريب على حفلة الرئيس الضيف بإطلاق أشرطة صوتية في نفس اليوم تدعو إلى محاربة أوباما.

وإذا كان الرئيس الأميركي قد نجح بالفعل في رحلته، واستمال الكثيرين إلى جانبه، فإن عليه أن يتذكر أنها مكاسب محدودة الزمن. وقت هذه الشعبية قصير، وعليه أن يترجم هذه المحبة إلى عمل سياسي كبير، قبل أن تذروه الرياح ونعود إلى المربع الأول. إن عملية عسكرية إسرائيلية تظهر فيها صور قتلى أطفال ونساء فلسطينيين ستمحو كل ما كسبه في القاهرة.

لكن لا بد أن نعترف أن أوباما هو الرئيس الوحيد الذي حقق اختراقا شعبيا مهما دون أن يقدم للعرب شيئا بعد. وهناك رؤساء أميركيون سبقوه قدموا نتائج كبيرة ولم تقدر أفعالهم أبدا بسبب سمعتهم المشوهة. ما فعله الرئيس الأسبق جيمي كارتر في كامب ديفيد كان من أعظم الأعمال السياسية، حيث ساعد مصر على استعادة أراضيها المحتلة وتوقيع سلام دائم لإسرائيل مع مصر. وكذلك ما فعله الرئيس بيل كلينتون في عام 1993 بتحقيق اتفاق أوسلو، الذي رغم ما شابه وعابه، أنقذ الحركة الفلسطينية من الإلغاء بعد أن طردت من بيروت، آخر مواقعها المجاورة لفلسطين، إلى تونس والسودان واليمن. أبعدت في عهد ريغان فأعادها كلينتون إلى أريحا وغزة ورام الله، وعاد عشرات الآلاف من الفلسطينيين لأول مرة من المنافي.

أوباما، بخلاف كارتر وكلينتون، يتمتع بثقة ورضا الجانب العربي، ويستطيع في الوقت الحاضر أن يبيع العرب مشروع سلام عادل لكنه قد لا يستطيع شيئا من هذا إن تأخر إلى ما وراء عام 2010، حيث لن يملك نفس التأييد الذي يحظى به اليوم. وبالتالي أمامه نافذة قصيرة الزمن عليه أن يستفيد منها بتحريك مشروعه السياسي للتفاوض على سلام يقوم على ثلاثة مشاريع مهمة، هي المبادرة العربية، ومفاوضات باراك عرفات كلينتون، والتفاهم السابق بين الرئيس حافظ الأسد وكلينتون حول الجولان.

صحيح أن ما فعله أوباما حتى الآن مجرد كلام إنشائي، وهذا صحيح لكن علينا ألا ننسى أن العرب، أكثر من بقية شعوب العالم، يستميلهم الإنشاء ويطربون للخطب الجميلة، كما أسعدهم خطاب القاهرة التاريخي. أما أهمية الخطاب الأوبامي فإنه أولا سيعين القادة العرب على أن يسيروا وراء أي مشروع سلام يطرحه أوباما بعد أن كانوا في الماضي يتحاشون إلصاق اسمهم مع أي مشروع أميركي ولهذا اختبأوا عندما طرح كارتر كامب ديفيد رغم اقتناعهم به.

[email protected]