سلسلة الأخطاء العرقية في باكستان

TT

ينظر الأميركيون إلى الصراع المحتدم في باكستان مع طالبان، على أنه من نوع العصبية الدينية. إلا أن الوضع في باكستان يتمثل في مزيج متفجر من الحماسة الإسلامية والتوترات العرقية الجياشة. وقد زادت الضغوط الأميركية للقيام بعمل عسكري حيال طالبان وحلفائها من «القاعدة» من تفاقم هذا المزيج. ويتمثل المفتاح الصحيح للوصول إلى استراتيجية ناجحة لفصل طالبان عن «القاعدة» وفرض الاستقرار سياسيا في باكستان متعددة العرقيات في فهم البعد العرقي للصراع هناك.

جدير بالذكر، أن الجيش الباكستاني يتألف من البنجابيين، فيما تتألف طالبان كلية من الباشتون. وعلى مدار قرون طويلة، حارب الباشتون القاطنين بالمناطق الحدودية الجبلية بين باكستان وأفغانستان، لإسقاط وطرد الغزاة من سكان السهول البنجابية. ومن ثم، فإن إرسال الجنود البنجابيين إلى إقليم الباشتون لمحاربة الجهاديين، يدفع البلاد كاملة إلى شفير الحرب الأهلية العرقية، كما سيقوي من عاطفة الباشتون لتكوين دولة باشتونستان مستقلة لهم، ومن شأن حدوث ذلك تأسيس دولة تضم 41 مليون نسمة، على امتداد رقعة كبيرة من الأرض في باكستان وأفغانستان.

ويعد ذلك أحد الأسباب الرئيسة التي حملت الجيش على تفضيل الوصول إلى اتفاقية سلام في البداية مع طالبان المرابطة في وادي سوات، علاوة على مقاومته للضغط الأميركي للخروج جميعا للوقوف أمام تقدم الجهاديين في المقاطعات المجاورة. وفي الوقت الذي يخشى فيه قادة الجيش من المخاطر بعيدة الأمد لتوحد طالبان مع القوى الإسلامية في قلب باكستان، فإن القلق يعتريهم أكثر حيال خطر يلوح في الأفق ينبع من احتمالية انفصال الباشتون.

وتاريخيا، كان الباشتون موحدين سياسيا قبل الحكم البريطاني. يشار إلى أن ملوك الباشتون هم من أسسوا أفغانستان، وبسطوا نفوذ حكمهم على نطاق 40 ألف ميل مربع، مما يعرف حاليا على أنه باكستان، وهي المنطقة التي تحتوي حاليا على أكثر من نصف سكان الباشتون، وكان ذلك حتى جاءت القوات البريطانية وهزمتهم في عام 1847، وفاوضتهم على ممر خيبر، ثم وضعت بعد ذلك خط الدوراند الحدودي المتنازع عليه، وهو الخط الذي لم تقبله أفغانستان مطلقا. وعلى إثر احتجاجات الباشتون القومية، منح البريطانيون هذه المناطق المنتزعة إلى حكومة باكستانية ـ يهيمن عليها البنجاب ـ تأسست في جزء من الهند عام 1974.

ومنذ ذلك الحين، وعلى فترات متنوعة، عارضت الحكومات الأفغانية أحقية باكستان في بسط نفوذها وحكم مناطق الباشتون، وعوضا عن ذلك، دفعت مرارا إلى إنشاء دولة باشتونستان المستقلة، أو «أفغانستان العظمى»، التي من شأنها أن تضم بصورة مباشرة المقاطعات المفقودة.

وحمل خوف باكستان من فكرة دولة باشتونستان إلى دعم الوكلاء الجهاديين في المقاومة الأفغانية خلال الاحتلال السوفياتي في الثمانينات، ثم بناء طالبان بعد ذلك. والباعث على السخرية هنا، هو أنه خلال حكم طالبان لكابل، رفضت طالبان الاعتراف بخط الدوراند الحدودي على الرغم من ضغوط إسلام آباد. كما رفض الرئيس الأفغاني حميد كرزاي، الاعتراف به أيضا، ووصفه بأنه «خط الكراهية الذي يضع حاجزا بين الأشقاء».

وحمل البريطانيون قبائل الباشتون المتمردة على الإذعان لحكمها فقط، بعد أن منحتهم الحكم الذاتي رسميا في «مناطقهم القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية». واحترم الحكام الباكستانيون المتعاقبون هذا النوع من الحكم الذاتي، حتى ضغطت إدارة بوش على الرئيس السابق برفيز مشرف، لإرسال جيشه إلى هذه المنطقة عام 2002، وشردت هذه القوات 50 ألف شخص. ومنذ تلك الأثناء، قامت طائرات البريداتور الموجهة بدون طيار بقتل أكثر من 700 مدنيا من الباشتون.

وبناء عليه، كيف ستباشر إدارة أوباما هذه القضية؟

عسكريا، يتعين على الولايات المتحدة تخفيض ظهورها العسكري هناك، بإنهائها لضرباتها الجوية التي تباشرها. فمع إثارة إحساس الباشتون بأنهم ضحية على أيدي قوات خارجية، قوت إدارة «الحرب على الإرهاب» في المنطقة الحدودية الخاضعة للإدارة القبلية ـ حيث تستقر «القاعدة» ـ الجماعات الجهادية التي تسعى الولايات المتحدة إلى هزيمتها.

وسياسيا، يتعين أن تتم مراجعة السياسة الأميركية لتوضح أن أميركا تدعم رغبة الباشتون في الوصول إلى وضع أقوى نظير الحكومة التي يهيمن عليها البنجاب في إسلام آباد.

ويعز على الباشتون المتواجدين في المنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الإقليمية، الحكم الذاتي الذي ظل لفترة طويلة، فضلا عن أنهم لا يرضون بأن تحكمهم إسلام آباد. وأقرت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها الصادر بتاريخ 13 مارس (آذار)، أن ما يرغب فيه الباشتون هو الاندماج مع الباشتون الموجودين في إقليم الحدود الشمالية الغربية.

ويتعين على الولايات المتحدة أن تدعم مطالب الباشتون بدمج إقليم الحدود الشمالية الغربية مع المنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، وأن يعقب ذلك دمج هذه المناطق ومقاطعات الباشتون الأخرى في بلوشيستان وبنجاب في إقليم واحد موحد يطلق عليه «باشتونخوا»، ويتمتع بالحكم الذاتي، الذي ورد في الدستور الباكستاني غير المعمول به لعام 1973.

في غضون ذلك، وبدلا من السماح لإسلام آباد بإدارة مبالغ المعونة الأميركية الكبرى، التي تذهب إلى المنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، يتعين على إدارة أوباما أن تشترط لاستمرار المعونة أن يتم إنفاق أغلبها بالتزامن مع الحكومة الإقليمية في إقليم الحدود الشمالية الغربية.

وتعتمد «القاعدة» و«محاربوها الأجانب» ـ وأغلبهم من العرب ـ على الدعم المحلي من طالبان للحصول على ملاذ آمن لهم في المنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية. وعلى نقيض «القاعدة» ـ التي لديها أجندة إرهابية عالمية ـ تصب أغلب فصائل طالبان اهتمامها على أهداف محلية في أفغانستان والمنطقة القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، فضلا عن أنهم لا يمثلون تهديدا مباشرا على الولايات المتحدة. من هذا المنطلق، يتعين على السياسة الأميركية أن ترحب بأي مبادرات سلام جديدة يتقدم بها قادة الباشتون العلمانيون من حزب عوامي القومي، الذي يحكم حاليا الإقليم الحدودي الشمالي الغربي، وهي المبادرات التي من شأنها أن تعمل على فصل طالبان والفصائل الإسلامية المتحالفة مع طالبان عن «القاعدة». وكما حدث في وادي سوات، يجب أن يكون استخدام القوة العسكرية بمثابة الملاذ الأخير.

وكما تشير الحكمة التقليدية، فلن ينتصر الباشتون ولا الإسلاميون في نهاية الأمر، ومن المقبول من كلا الطرفين أن تتمثل المحصلة النهائية فيما وصفه حسين حقاني، السفير الباكستاني لدى واشنطن، بـ«باشتونستان إسلامية». وفي غرة مارس (آذار) 2007، قال محمد علي دوراني، الجنرال المتقاعد، وسلف حقاني في منصب السفير، في حلقة نقاشية داخل السفارة الباكستانية: «آمل ألا تندمج طالبان والقومية الباشتونية. فإذا ما حدث ذلك، فسوف يكون قد فاض بنا الكيل، ونحن على وشك حدوث ذلك بالفعل».

* مؤلف تقرير «باكستان: دولة الاتحاد»، وقد ارتكز هذا التقرير على دراسة عمرها 6 أشهر من التوترات العرقية في باكستان، وصدر من مركز السياسة الدولية، كما كان الرئيس السابق لمكتب «واشنطن بوست» في جنوب آسيا علاوة على أنه ألف 5 كتب عن المنطقة

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ«الشرق الأوسط»