أسمر.. عبر!

TT

جاء الرئيس الأمريكي للمنطقة وألقى بكلمته التاريخية «الساحرة» ورحل مسافرا. شغل الناس قبل زيارته وهم يحاولون التعرف إلى ما سيقوله وما هي النقاط الأساسية التي سيركز عليها وكيف ستكون النقاط هذه مصادر إلهام لسياسات ومشاريع وتشريعات مستقبلية. وبعد الخطاب الأخاذ ترك الناس وهم في حيرة ما بين مصدق ومذهول، وقلة مشككة لا تصدق. هناك العديد من المعاني المهمة التي ركز عليها خطاب أوباما، ولعل أبرزها هو التركيز على حالة اللاعداء بين أمريكا والإسلام وإبراز النقاط الإيجابية في العلاقة بين الكيانين، وتسليط الضوء على المناطق المشتركة واحترامها وتقديرها، وهي لغة جديدة ومغايرة تماما كانت غائبة عن سلفه بوش، الذي ساهم برعونة، يندر وجود مثلها، في توسيع الهوة وتضخيم المشاكل بشكل أحمق. تدارك أوباما موقف بلاده وسياساتها الخاطئة في مسائل مثل غزو العراق وتوسيع رقع التهم باسم الحرب على الإرهاب وفتح معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب الذي جلب العار والعيب على أمريكا ومؤسساتها الحقوقية بكل أشكالها. الخطاب الذي ألقاه أوباما كان مختلفا في الأسلوب والمضمون، فهو كان مليئا بروح التعاون والتواضع وإحسان الظن، مما حدا بأحد الأصدقاء الذين كانوا معي ونحن نتابع خطابه بالقول «هذا الرجل يستحق منا الدعاء» عرف التصرف بذكاء باستشهاده بالقرآن الكريم وافتتاح خطابه بالسلام عليكم جميعا، وهي إشارات لطيفة ولافتة ومهمة تبني جسور الثقة في مجتمعات مضطربة أنهكتها سنوات من التعامل القلق معها. لكن الموضوع أعمق وأشمل، فهو تعرض لقضايا شائكة معقدة وتتطلب تعاونا جادا ونظرة عادلة ليتم إيجاد حلول لها من كل الأطراف المعنية.

أوباما اعترف بصراحة أن خلافات ومشاكل عمرها عشرات السنين لا يمكن أن يحلها خطاب واحد لأن الموضوع أعقد من ذلك بكثير. باراك «حسين» أوباما في موقع فريد يمكنه من تحقيق نقلة حقيقية في العلاقات بين أمريكا والعالم الإسلامي، ففي أسرته يوجد أقرباء له من المسلمين، ووالده كان مسلما وترعرع في إندونيسيا البلد الإسلامي الأكبر عددا، هناك إرث «إسلامي» في حياته تمكنه من بناء جسور ثقة بمصداقية وجدارة. موجة النشوة والرضا التي حدثت من خلال الزيارة الإيجابية لأوباما للمنطقة بحاجة أن تتبعها مجموعة من المبادرات والحراك الإيجابي حتى لا تخمد هذه الشعلة. من الواضح أن هناك تغيرا في المضمون السياسي الأمريكي.. لقد انتقلنا من «نحن أم هم» و«محور الشر» وغيرهما من الاتهامات المسبقة التعليب. رئيس يستشهد بالأنبياء موسى وعيسى ومحمد ويصلي عليهم ويذكر حادثة الإسراء ويؤكد مكانة القدس للأديان السماوية الثلاثة، هذا لعمري انتقال حقيقي في الخطاب السياسي! ولكن الخطاب أكد أن هناك تصادما هائلا وشيكا بين أوباما والمتطرف بنيامين نتنياهو، وخصوصا في مسائل الاستيطان المجنون وضرورة إيقافه فورا، وكذلك الاعتراف بمبدأ وحق الدولتين؛ فلسطينية وإسرائيلية، ووضع القدس. هل يتعاون العرب على حل مشاكلهم ومحاولة استغلال هذا الظرف التاريخي الاستثنائي الكبير في التعاطي مع تحدياتهم؟ البيت الأبيض يدرك أن هذا الخطاب هو فرصة سياسية مهولة، وهو يعلم أن العرب ليسوا بالعالم الإسلامي كله، وأطلقوا خطاب أوباما على مواقع إلكترونية مختلفة من ضمنها مواقع اجتماعية مثل الفيس بووك وماي سبيس وتويتر. كذلك استخدم البيت الأبيض رسائل الجوال لنقل أهم نقاط الخطاب بأربع لغات. الخطاب فرصة جادة وحقيقية للتغيير، بعد أن تهدأ موجة ردة الفعل له، وسيكون السؤال المعلق: ماذا بعد الخطاب؟ فالمسألة ليست مجرد ترفيه وتسلية فقط أو فاصل غنائي نستمتع به.

[email protected]