بين العراق والكويت.. أزمة أم تأزيم؟

TT

سُنّت الأقلام، وصُفّت الميكروفونات، ولعلعت الحناجر، وبدأ هجوم غير مبرر على الكويت من بعض ساسة وأقلام وإعلام بغداد. الأسطوانة مكررة ومفادها: الكويت تؤذي العراق! وعلى الكويت أن تسقط مستحقاتها وتعويضاتها وديونها تجاه العراق، والبالغة في مجموعها أكثر من 40 بليون دولار. كما على الكويت أن ترفع العراق من الحظر المفروض عليه تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي فرض بعد غزو العراق للكويت عام 1990م!

على المستوى الرسمي، كرر الجانبان حسن العلاقات بينهما وأكدا أن لا مشكلة ولا أزمة بينهما، وأن كافة المسائل العالقة يمكن أن تحل بالطرق الودية وعبر القنوات الدبلوماسية، وأعاد الجانبان أهمية التعامل مع كل ما بقي عالقا بينهما بعيدا عن التصعيد أو اختلاق المشكلات. المسألة واضحة: قرارات دولية يؤكد الطرفان احترامها والالتزام بها، وطرف كويتي يرغب في رفع العقوبات عن العراق وتسوية كافة المسائل على ضوء تلك القرارات، وتفهّم من الطرفين لتسوية الديون والمستحقات بما يضمن تعزيز العلاقة المستقبلية بين البلدين. فأين المشكلة؟

طرح الكويتيون في أكثر من مناسبة الاستعداد للتعاون في تحويل الديون العراقية إلى مشاريع اقتصادية ضخمة بين البلدين، تقوم في معظمها على الحدود بينهما، وتشكل حاجز ردع استثماري فيه مصلحة للشعبين وضمانة للتعاون بينهما.

التفسير المنطقي لما جرى أن هناك أطرافا داخل العراق لها مصلحة في خلق هذه الأزمة، التي هي إعلامية بالدرجة الأولى، وهم برأيي الأطراف التالية:

طرف يحن إلى الحقبة الصدّامية البائدة ويرى في الكويت رمزا لإنهاء تلك الحقبة المريرة على الكويت والعراق والمنطقة كلها. وهذا الطرف لن يتوانى لحظة عن إيذاء الكويت وتحميلها أوزار الصدّامية المقبورة.

وطرف عراقي مرتبط بإيران يأتمر بأوامرها وينتهي بنواهيها ويعمل على تطبيق أجندتها، وإيران تتطلب مصالحها في هذه المرحلة أن تسمّم علاقات العراق بجيرانه وأشقائه العرب، وبالذات مع دول الخليج والأردن. فلا مصلحة لها في استقرار لبنان، ولا وحدة الصف الفلسطيني، ولا التعايش العراقي ـ العراقي، ناهيك عن التعايش العراقي ـ الكويتي، وبالتالي فإن انشغال العراق بأطرافه العربية سيضعف موقفه أكثر، ويدفع به نحو مزيد من التوجه نحو الشرق الإيراني.

وطرف عراقي «غبي» يهاجم الكويت وعينه على الانتخابات القادمة، ويراهن على أن الهجوم على الكويت قد يكسبه أصواتا انتخابية.

أما الطرف الرابع فهو عراقي «شبه رسمي»، يحاول تصدير مشكلات العراق إلى الخارج، ويرى في الكويت «الطوفة الهبيطة» (الحائط الهابط)، الذي يمكن أن يعلق عليها مشكلات الفساد، والطائفية، والبيروقراطية، وانقطاع الكهرباء والماء، وكركوك، وسرقة النفط العراقي وتهريبه عبر أنابيب وصهاريج لصالح قوى وأحزاب عراقية، وليس لصالح الدولة والإنسان العراقي.

وللموضوعية فإن الهجوم العراقي الإعلامي والنيابي قابله بعض التصعيد الكويتي غير المنطقي من بعض النواب والكتاب، مما دفع أمير الكويت ـ الشيخ صباح الأحمد الصباح ـ إلى مطالبة النواب الكويتيين بالتهدئة مع الجانب العراقي، معبّرا بذلك عن موقف كويتي لا يرغب في التصعيد ولا اختلاق الأزمات بين البلدين.

هناك تأزيم مفتعل بين العراق والكويت، ولا أدل على صدق ذلك أكثر من مطالبة النائب العراقي عز الدين الدولة بتعويضات من الكويت قدرها 4 تريليونات دولار لسماحها للقوات الأمريكية الانطلاق من الأراضي الكويتية لإسقاط صدام عام 2003م، وقال النائب الدولة إنه سيسعى لاستصدار قانون ملزم للحكومة العراقية بذلك! تُرى، إذا كان هذا النائب يطالب بـ4 تريليونات دولار كتعويض من الكويت لسماحها للقوات الأمريكية بإسقاط صدام انطلاقا من أراضيها، بكم سيطالب الولايات المتحدة نفسها من التعويضات؟

هناك سعي لتأزيم متعمد بين العراق والكويت لأجندات مختلفة، يقول البعض إنها تعكس ديمقراطية عراقية تتعدد أصواتها، وبعض يرى أنها مؤشرات فوضى لا يزال العراق يعاني من آلامها.