زهرة شباط

TT

أكرر دائما حكاية قرأتها عند سعيد فريحة وسمعتها مرارا من الوزير الراحل فيليب تقلا، الذي كان متزوجا من مهاجرة ثرية في البرازيل. وقد عرف الوزير تقلا في الريو ـ وعرفه سعيد فريحة في بيروت ـ مهاجرا من آل معلوف يفوق ابن الرومي تطيرا وتشاؤما ودقا على الخشب وعلى الحديد وعلى القصدير. ومن أشهر قصص ابن الرومي ابن الريو، أنك إذا قلت له «ها هو الربيع قد أطل بزهوره»، قال فورا: «شو النفع، بكرا بتشتي بشباط» أي بعد عام. وإذا قلت «فلان أصاب ثروة»، قال «شو النفع، بكرا بيضربوا السكري».

كان جمهور عربي غفير من آل معلوف في استقبال باراك أوباما. أكثرهم رفع يافطة عبقرية مبتكرة مبتدعة خارقة، تقول: نريد أفعالا لا أقوالا! وتحول السادة المعالفة إلى محللين وخبراء وهات رأي وخد رأي، وإذا أوباما جزء من «المؤسسة الأميركية». له. له. له يا شاطر. كيف عرفت؟ ما هي مصادرك الخارقة؟ أنا كنت أظن أنه جزء من المؤسسة الحاكمة في غانا. شكرا لعبقرياتكم.

يا جماعة. يا جماعة. رؤساء أميركا كانوا ينادون بالدولة الفلسطينية بعد تقاعدهم بعشرين عاما. ورؤساء أميركا لم يجرؤوا مرة على لفظ كلمة مستعمرات إلا من جورج بوش الأب، الذي طالب «بتجميد» قروض المستعمرات. ويا جماعة، حدث مرة أن تحدث جيمي كارتر عن «وطن قومي للفلسطينيين» فقامت أميركا وزلزلت وأرغم على النفي والاعتذار. وكان رئيس أميركا يبدأ عهده وحياته ويومه بزيارة إسرائيل. وها نحن أمام رئيس يبدأ ولايته الدولية في «مهد الإسلام» ثم في كبرى العواصم العربية، فاتحا صدره وذراعيه معلنا أنه جاء «ليبدأ علاقة جديدة بين أميركا والإسلام».

اللغة ـ واللهجة ـ التي سمعناها من هذا الرجل لم نسمعها من قبل، حتى من أميركي عادي. بل حتى من الأميركيين النادرين الذين كانوا يعلنون تأييدهم لنا من بيوتهم وحدائقهم ونوادي الغولف. لماذا لا نعتبر كل ذلك مجرد مقدمة أو مدخل للبحث والحوار مع دولة كانت إلى الأمس متجلدة متجمدة متمادية في دعم وتأييد وتزويد الخيار الصهيوني بالمال والسلاح والمواقف والسياسة؟ لماذا لا نقول لباراك أوباما، تفضل نناقش هذه القضية التي يظلمها بلدك منذ 60 عاما كما ظُلم من قبل أبناء بشرتك ورفاقهم في الأرض. وفي إمكان السادة المعالفة الانتظار حتى شباط المقبل. قد تمطر وقد تزهر.