لمن يصوت لبنان: للسعوديين أم الإيرانيين؟

TT

تبدو الانتخابات اللبنانية في منطقتنا أهم من انتخابات الولايات المتحدة من جراء الضجيج والمراهنات الكثيفة حولها، وهي في الواقع انتخابات مهمة، ليس لبنانيا، بل تمثل انتخابا إقليميا، حيث الصراع في لبنان على أشده. هل يكسبها المعسكر الإيراني السوري، أم المعسكر السعودي المصري الأميركي؟ هذا هو السؤال المهم الذي يجعلها انتخابات غير عادية، لأن الانتماءات فيها صريحة وواضحة. وسبق لزعيم حزب الله أن وعد اللبنانيين بأن إيران ستتولى مساعدتهم عسكريا واقتصاديا، مثلما قال نواب سُنة ،مثل مصباح الأحدب، أنه يستبعد أن تمد السعودية العون لحكومة فيها حزب الله وهو يوجه إليها كل هذه الإساءات. كما قال مساعد وزير الخارجية الأميركية، الأول من أمس، أن العلاقة مع حكومة للمعارضة نفس العلاقة كما هي اليوم. إذن نحن أمام انتخابات أبعد من كراسي البرلمان اللبناني.

ورغم الشكوك المنطقية في كل مفهوم الانتخاب، في بلد مثل لبنان شديد الانقسام السياسي والديني، وفي بلد المحاصصة هي النظام الرسمي، تجرى انتخابات لبنان في فترة صراع إقليمية مهمة. وما يجعلها مثيرة أن النتائج متقاربة جدا، فالصراع على بضعة كراسي برلمانية، لأن معظمها محسوم، ولا يعرف أحد حتى صباح الغد لمن الغلبة، مما يزيدها إثارة.

وبعد أن ينتخب الناس وتشكل الحكومة لن تكون السنوات القليلة المقبلة مريحة، بل قد تكون بنفس السوء الذي مرت به السنوات الأربع الماضية. خلالها ستقر أحكام محكمة قتلة الحريري. وخلالها سيطرح مشروع سلام للمنطقة، لبنان فيه طرف مباشر. وأهم من ذلك ستحسم مكانة إيران في المنطقة ومشروعها السياسي. وفي كل هذه القضايا الثلاث الصعبة سيكون لبنان مسرحا مهما، مضطربا أو مستقرا.

وأتصور أن سيئ الحظ من يربح الانتخابات، ويكلف بتشكيل الحكومة، ويصبح رئيسا للوزراء، ووزيرا في العهد الجديد، لأن الخيارات ستكون قاسية، وكل قرار يتخذ سيكون له ثمن صعب. مع أننا أيضا يجب أن نرصد المؤشرات الإيجابية التي تدلل على أن المتنازعين صاروا في الأخير أكثر حذرا وأقل اشتباكا.

ومن إيجابيات الانتخابات أنها كشفت كيف طور كل فريق خطابه السياسي بخلاف ما كنا نتوقعه. كنا نظن أن التيارات اللبنانية ستغرق في مواقفها الأصلية لكنها في الحقيقة لم تفعل.

فحزب الله جاهد من أجل تجنب الترويج لفكر مواجهة إسرائيل، لأنه يشعر أن الحرب لم تعد خيار اللبنانيين، بما فيهم أنصار الحزب. زالت في الانتخابات مزايدات كثيرة حيث كان حزب الله يقول قبل عامين إنه لن يتوقف إلا بعد تحرير القدس. وقد علق أحد منسوبيه عندما أحرج بسؤال عن مشروع المقاومة فقال صراحة إن هدفه ليس فلسطين بل لبنان فقط.

وكذلك تعمد الفريق الآخر الابتعاد عن تأزيم العلاقة السياسية مع خصومه، واختار، على غير عادته، أن يدافع في بعض المناسبات عن حزب الله، ويسكت على المخالفات الأمنية في حق أتباعه. وهذا لم يمنع بالطبع التراشق الضروري لوضع الناخب أمام حالتين، اتهام (8 آذار) بالإيرانية، واتهام (14 آذار) بالأميركية.

الانتخابات اللبنانية تحسمها بضعة مقاعد لأن المعسكرات استولت مسبقا على مناطقها ورسمت حدودها.

[email protected]