الانتخابات اللبنانية: السيناريوهات في ظل التحولات الإقليمية

TT

لا يمكن فهم الانتخابات اللبنانية إلا من المنظارين الإقليمي والدولي. فما الذي يجعل نائب رئيس أهم دولة في العالم جوزيف بايدن يزور بلاد الأرز؟ أهي ثورة الأرز والديمقراطية؟ إذا لماذا ترك لبنان لأكثر من ثلاثين عاما تحت الهيمنة السورية؟ وماذا يجعل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يهتم بهذه الانتخابات؟ ولماذا يذكر الرئيس أوباما في خطابه في مصر، والذي من المفترض أن يكون موجها إلى العرب والمسلمين، موارنة لبنان؟ ولماذا هذا السكوت السوري المُستغرب في عز الحمأة الانتخابية؟ إن الجواب على هذه الأسئلة هو أن الانتخابات عادة تغير النخبة الحاكمة أو تبقيها. ولأن التغيير قد يُغير السياسات والاصطفافات. ولأن لبنان منقسم على نفسه، كما المنطقة. من هنا أهمية النتيجة المرتقبة على الأفرقاء، لكن كيف ولماذا؟

بنظرة من فوق على الانتخابات اللبنانية وعلاقتها بدينامية المنطقة، يمكن استنتاج بعض الأمور، وهي:

أولا، التحول الإيجابي في العراق، وتركيز الإدارة الأميركية الجديدة على أفغانستان، هذا عدا الحرب الباكستانية على الطالبان في باكستان.

ثانيا، اهتمام الرئيس الأميركي بتغيير الصورة النمطية لأميركا في العالمين الإسلامي والعربي، كما سعيه للانفتاح على إيران ودون شروط كما ورد في خطاب القاهرة.

ثالثا، سعي أوباما لحل القضية الفلسطينية ووقف الاستيطان، هذا عدا القلق الإسرائيلي من سلوكيات أوباما واستراتيجياته، إن كان تجاه إيران أو تجاه العرب. فما يُعطى للعرب سيُؤخذ حتما من حصة إسرائيل.

إذاً وبعد مرور مئة يوم على حكم أوباما، قد يمكن استشراف ركائز استراتيجيته في المنطقة والتي تقوم على أولوية الحل الفلسطيني الذي سيُساهم في الحل الإيراني، وكذلك على تغيير صورة أميركا في المنطقة، هذا عدا ضرورة إيجاد استراتيجية خروج مشرفة لأميركا من أفغانستان، مع ضرورة حل للمعضلة الإيرانية ـ خاصة النووي ـ وطريقة التوفيق بين الانفتاح عليها وطمأنة كل من إسرائيل والعرب. هذا عدا ضرورة إيجاد استراتيجية بديلة قد تكون عُنفية إذا فشل البُعد الدبلوماسي.

ولتحقيق هذه الأهداف، ترتكز استراتيجية أوباما على الدول الآتية: مصر كقوة عددية تاريخية وعربية، وقوة عسكرية. تركيا كقوة في الناتو، إسلامية، تتجاور مع إيران وتوازنها في محيطها. المملكة العربية السعودية كقوة إسلامية بامتياز، هذا عدا القوة المالية والنفطية. هذا مع التذكير بأن إسرائيل هي قوة في «الجيب» كما يُقال، فقط لأنها محكومة بإرادة سيد البيت الأبيض، وهي جاهزة للاستعمال عند الحاجة كما حصل في حرب تموز.

في دينامية كهذه تحصل الانتخابات اللبنانية. فتؤكد أميركا أهمية بلاد الأرز والموارنة، ليرد عليها الرئيس الإيراني. لكن سورية تتمنع عن التدخل العلني، فقط كي لا تزعج حليفها المسيحي الجديد الجنرال ميشال عون، وذلك نظرا لحساسية الدور السوري في الساحة المسيحية تاريخيا. لكن الأكيد أنه لا يمكن سورية التخلي عن لبنان، لكن السلوك السوري سيظهر إلى العلن ويتشكل وفق نتيجة الانتخابات المقبلة. هكذا، تلعب الانتخابات اللبنانية دورا مهما في تحديد الاصطفاف اللبناني المقبل، خاصة عندما يذهب الأفرقاء المتخاصمون إلى طاولة الحوار.

والواقع أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة وذلك في ظل الكثير من الاستطلاعات غير المؤكدة. مع التذكير بأن هناك الكثير من المناطق حيث النتيجة معروفة سلفا، الأمر الذي جعل المحلل السياسي جهاد الزين يقول إن هذه الانتخابات هي انتخابات المتصرفية أيام العثمانيين، قاصدا بذلك أن قرار الحسم لتشكيل الغالبية المقبلة هو في المناطق المسيحية تقريبا:

أما السيناريو الأول فهو الستاتيكو. وهنا تحافظ 14 آذار على الغالبية في المجلس النيابي. ولكن هل ستستطيع أن تحكم بمعزل عن القوى الباقية؟ وإذا قررت ذلك، هل سيسمح حزب الله وحلفاؤه بذلك؟ هل ستعطي الغالبية الثلث المعطل لقوى المعارضة؟ وماذا سيحصل إذا لم تقبل المعارضة الاكتفاء بالمعارضة؟ وهل ستضرب الغالبية اتفاق الدوحة؟

في هذا السيناريو، سيستمر الدعمان الدولي الغربي والإقليمي (من دول الاعتدال العربي) للبنان. وكذلك سيستمر دعم المؤسسات المالية. ولكن كيف سيكون سلوك كل من سورية وإيران.

في السيناريو الثاني تربح المعارضة الغالبية لتصبح قادرة على الحكم. فهل ستشارك الغالبية السابقة في الحكم في هذه الحالة؟ وهل ستكون الغالبية الجديدة قادرة على التعامل مع المجتمع الدولي خاصة مجلس الأمن؟ كيف ستتعامل مع أميركا ومع أوروبا، ومع المنظمات الدولية المالية؟ من سيكون رئيس الوزراء الجديد؟ كيف ستتصرف الغالبية الجديدة حيال اتفاق الدوحة؟ كيف ستتصرف إسرائيل، خاصة أذا كانت الحكومة الجديدة تحت سيطرة حزب الله، الأمر الذي سيجعل تطبيق القرارات الدولية موضع شك؟ كيف سيرد حزب الله، وأين، على اغتيال القيادي عماد مغنية بعد تبوئه سدة الموالاة؟ في هذا السيناريو، سينتظر العالم فترة معينة قبل أخذ موقف من طريقة التعامل مع لبنان. في هذا السيناريو قد يعمد فريق 8 آذار إلى مسخ صورة الموالاة السابقة.

أما في السيناريو الثالث فلا يفوز أي من الفريقين بالغالبية، لتتشكل كتلة وسطية تدعم المؤسسات والرئاسة الأولى. ويرى كثر أن هذا السيناريو هو الأفضل لهذه المرحلة، لكنه حتما غير واقعي ولن يحصل إلا بأعجوبة.

لكن العامل الجديد الذي دخل على اللعبة السياسية في لبنان هو الرئيس ميشال سليمان. ففي كل السيناريوهات يبقى هو أحد اللاعبين المهمين. وقد أعلن مواقفه في الخطاب الذي ألقاه في ذكرى مرور سنة على تسلمه الحكم. في هذا الخطاب أكد الرئيس الأمور الآتية:

ـ أنه الرئيس التوافقي ـ التوفيقي. نقلت هذه الجملة الرئيس من منتظر سلبي إلى مُبادر إيجابي فاعل معه زمام المبادرة، خاصة إذا كان الموضوع يتعلق بالمصلحة العامة. واعتبر البعض أن الرئيس قام بعملية استباقية لمرحلة ما بعد الانتخابات. فهو يملك توقيع مراسيم تأليف الحكومة، لذلك هو يريدها، حاضنة، ضامنة للكل وليس للبعض، تعكس في تشكيلها روح الدستور الميثاقية، حكومة تشبه لبنان لا مكان فيها للمثالثة، بل للمشاركة الكاملة، وكأنه يرسم مسبقا صورة الحكومة الجديدة.

- أن الإصلاح السياسي الذي يصبو إليه ليس انتقاما من فريق لمصلحة آخر، وليس تقاسما للصلاحيات أو تنازعا عليها، بل هو توزيع للمسؤوليات على من أوكل إليهم الشعب إدارة شؤونه، وأولهم رئيس الجمهورية حامي الدستور.

إذا هذه هي حال لبنان عشية الانتخابات النيابية المصيرية. الكل مستعد، الكل يحشد، وما على الشعب إلا أن يقول كلمته. لكن الأمر المهم يبقى في تقبل الأطراف السياسيين قرار الشعب.

* عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي