أنا الموقع أعلاه أعترف أنني مدمن!

TT

لم أصدق أن يأتي اليوم الذي أتحول فيه إلى مدمن، وأنا الذي أدرك ما معنى أن يكون الإنسان مدمنا بعد أن قضيت فترة تدريب أثناء دراسة الماجستير في الولايات المتحدة الأميركية في مركز لعلاج الإدمان، وشاهدت نسب الإخفاق في علاج المدمنين، فما أن يسمح للكثير منهم في ذلك المركز بساعة أو ساعتين خارج المركز حتى ينتكسوا على أعقابهم من جديد.

وإذا كان أبسط تعريف للإدمان أن الإنسان لا يملك الاستغناء عن شيء ما، وحاجته إليه تتسم بالرغبة في الازدياد، وحرمانه منه يسبب الكثير من المعاناة، فأنا وفق هذا التعريف يمكن أن أصنف كمدمن من الدرجة الأولى، فحينما قطعت خدمة الإنترنت عن منزلي لعطل فني استعنت بطوب الأرض لإرجاع الخدمة في أسرع وقت، فانا أقضي أمام جهاز الحاسوب ساعات طويلة يوميا، وغدا «الإنترنت» بديلا بالنسبة لي للكثير من أوجه الحياة الاجتماعية، ويمكن القول إنه أصبح الصديق الذي لا أمل فراقه، فهو أول وجه اصطبح به في الصباح، وآخر وجه أودعه في المساء.

وهذا النوع من الإدمان اكتشفته لأول مرة عالمة النفس الأميركية كيمبرلي يونغ، ولكن الصينيين غدت لهم اليد الطولى في الاهتمام بإدمان الإنترنت، وتنويع وسائل علاجه، فالطبيب الصيني يانج يونجشين يحاول علاج المراهقين الذين يدمنون استخدام الإنترنت عن طريق صعقهم بشحنات كهربائية، ثم يعقبه برنامج علاجي لعدة شهور، كما اهتمت الصين أيضا بإيجاد ثكنات عسكرية لمواجهة إدمان الإنترنت يديرها كولونيل من الجيش.

ولعل ما يميزني كمدمن عن الكثير من مدمني الإنترنت أن جلهم مدمنو منتديات حوارية، وألعاب إلكترونية، أما أنا فلا طاقة لي على تلك المواقع، وإدماني يتمثل في تحولي من القراءة الورقية إلى القراءة الإلكترونية، فأنا أقرأ جل الصحف اليومية، والمجلات الأسبوعية، والكتب عبر الإنترنت، ولم أفتقد شيئا مما ينشر سوى إعلانات الوفيات التي لا تحفل بها المواقع الإلكترونية.

في الماضي كان الناس يفاخرون بعدد الساعات التي يقضونها مع الكتب، ويصنفون عاشق القراءة بالمثقف، ويصفونه بأنه يقضي جل وقته في القراءة، أما اليوم فالقارئ الذي يستغرق في القراءة عبر الإنترنت ينعت بالمدمن، ويستحق أن يصعقه الصينيون بالكهرباء أو يلحقوه بالثكنات العسكرية.

أمان يا ربي أمان.

[email protected]