لمن استمع العالم الإسلامي؟

TT

خطابان كانا في حلبة التنافس على عقول وقلوب المسلمين، خطاب الرئيس الأميركي من جامعة القاهرة وخطاب أسامة بن لادن من جحره، ترى لمن استمع العالم الإسلامي؟ ومن كسب العقول والقلوب الأسبوع الماضي: أسامة أم أوباما؟

خطاب أوباما في جامعة القاهرة، بكل كلمة فيه وكل نقطة وكل فاصلة، ما كان ليحظى بهذا التأثير والاهتمام ولا بالقليل منهما، لو ألقاه رئيس أميركي آخر. القصة لم تكن في الخطاب أو الرسالة، القصة هي الرجل. أوباما ليس ككل من زاروا الشرق الأوسط من رؤساء أميركيين سابقين، فوجه نيكسون، كما وجه روزفلت وبوش وكارتر وكلينتون، كان وجه «الخواجة الأبيض» المرتبط في الذهنية العربية والإسلامية بوجه الاستعمار والاحتلال، أما وجه أوباما فهو يشبه الكثير من وجوه عباد الله السائرين في شوارع الشرق الأوسط، يشبه وجوه نصف الفريق الوطني السعودي لكرة القدم، ويشبه معظم الناس في شمال السودان والمغرب، وربما اندهش أوباما نفسه من رؤية هذا الكم الهائل من البشر في مصر والسعودية ممن يشبهون ملامحه وملامح أقاربه.

رئيس أميركي يشبهنا.. ألقى خطابا كان من المفروض أن يلقيه زعماؤنا، فلقد كان الخطاب كأنه مرآة يحملها الرجل بيده للمسلمين، فقال لهم هذا دينكم يقول «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، و«إنك لا تهدي من أحببت»، و«وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا»، و«وقولوا قولا سديدا». دين متسامح يحتفل بالاختلاف ويحض عليه، يؤصل لحرية التعبير والعقيدة، ويحض على الصدق في القول في السر والعلن، فهل تشبه وجوهكم هذا الوجه الذي ترونه في المرآة التي أحملها لكم؟ خطاب أوباما كشف لنا الفارق بين قيم الإسلام وسلوك المسلمين، فكيف يقول الدين بأن من قتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا، وهناك الكثير منا ممن يؤيدون قتل الأبرياء تحت لواء أسامة بن لادن؟ كيف ترك هؤلاء السماحة في دينهم الحنيف واعتمدوا تفسير بن لادن العنيف؟

أربكنا أوباما عندما حمل لنا المرآة ورأينا بأننا لا نشبه إسلامنا، وأن الإسلام من سلوك بعضنا براء. أربكنا أوباما لأنه رجل يشبهنا، درس في صغره في مدارس إسلامية، وله اسم مثل أسمائنا، ووصل إلى ما وصل إليه في عالم حر. أربكنا أوباما لأنه يستطيع أن يكون فردا مستقلا يفكر بحرية، ونحن لا نفكر إلا ضمن عقلية القطيع، ومن يختلف منا عن السائد نقول إنه يغرد خارج السرب. نحن عقلية السرب، ولن تتحسن أحوالنا إلا إذا كنا أفرادا نقبل بالاختلاف في السر وفي العلن. أحيانا نكون أفرادا في السر والجلسات الخاصة، ومتى خرجنا إلى العلن دخلنا في عقلية القطيع وعقلية السرب. هذا ما قاله أوباما صراحة لنا في خطابه حين طالبنا بأن نقول ما نعتقده فعلا في العلن كما نقوله في الخفاء. يشجعنا أوباما للخروج من عقلية الخوف التي سجنت عقولنا منذ سنين، وجعلتنا لا نجرؤ على أن نقول في العلن ما نقوله خلف الأبواب المغلقة، خوف الحاكم من المحكوم وخوف المحكوم من الحاكم. أوباما قال لنا إن العيب فينا لا في إسلامنا. كما تقول أغنية أم كلثوم الشهيرة «العيب فيكم، يا في حبايبكم. أما الحب يا روحي عليه». العيب في حبايبنا وحبايب بن لادن، أما الإسلام فلا عيب فيه. هكذا كانت الرسالة، رسالة قصيرة «اس ام اس» رغم طول الخطاب.

كان حديث أوباما «بالغ» الأهمية. وبالغ هنا بمعنى البلوغ وتجاوز المراهقة إلى عالم البلوغ والرشد. حدثنا أوباما بوضوح أن علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل هي شراكة طويلة المدى، تعايشوا معها، ولكنني في الوقت ذاته أمد يدي إليكم. ليس من الضرورة أن يجعل العرب ممن يصادقون إسرائيل عدوا لهم، سيكونون بذلك هم الخاسرين في النهاية. الذكاء أن تجتذب من ليس في صفك وتعمل على التأثير عليه. ليس الأمر حصريا لنا وقاصرا علينا، بحيث لا نقبل شراكة في أصدقائنا، يجب أن نتخلص من ذهنية أن من صادق عدونا هو عدو لنا بالضرورة، نتجنبه بدلا من بذل الجهود لكسبه واستمالته.

من واجبنا أن نساعد أوباما كي يساعدنا. فالرئيس الأميركي، من اليوم فصاعدا، سيكون هدفا لأصدقاء إسرائيل يحاولون أن يثنوه عما هو قادم عليه من العمل على فرض حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، سيهددونه بجعله رئيسا ولمدة واحدة. علينا أن نمنح أوباما الأدوات التي يقاوم بها هذا اللوبي المتجذر في واشنطن، بأن نكون مرنين معه ونسلحه بما يريد ضد قوى الشر التي لا تريد له أن يحل القضية. فقد بدأت الجماعات الصهيونية تتهم أوباما بمعاداة السامية لمجرد أنه تحدث عن الفلسطينيين بإيجابية، وأوباما في النهاية بشر وتحت الضغط قد يغير مواقفه إلا إذا سلحه العرب بأدوات تساعده على الإصرار عليها، لا أن يجلس العرب مكتوفي الأيدي وفق مدرسة «حبيبي تاه مني يا مين يجيبهو لي»، أو مدرسة «حبيبي ساكن في السيدة وأنا ساكن في الحسين» وكأن لا طرق مواصلات توجد بين الحبيب الولهان ومحبوبته. علينا الانتقال من عالم عبد المطلب «بتاع حبيبي في السيدة وأنا في الحسين» إلى عالم التفاعلية وعالم الـ«جي بي اس» الذي يوصلنا إلى العنوان الصحيح من دون الدخول في المتاهات والضياع.

أسامة بن لادن ملأ الدنيا زعيقا من خلال قناة «الجزيرة» يوم وصول باراك أوباما إلى الرياض. تحدث بن لادن عن أوباما المخادع وعن أنه امتداد لسلفه جورج بوش، لكن ما نقلته شاشات التلفزة وأظهرته استطلاعات الرأي يقول بأن العالم العربي والإسلامي رأى غير ذلك، العالم العربي والإسلامي بدا في صف أوباما وقد أهمل زعيق بن لادن. الشباب في العالم العربي أعجبهم الشاب الأسمر الذكي والمتواضع، رأوه بعد أن أنهى خطبته في جامعة القاهرة، رجلا «كاجوال» يطوف بهرم خوفو في ملابس شبابية يحمل في يدة قنينة الماء، ويتصرف كرجل عادي، يخلع حذاءه في مسجد السلطان حسن في القاهرة، بينما رجال الأمن المسلمون يمشون بأحذيتهم. هذا التواضع وهذه الحساسية في الكلمة والسلوك لم يرها الشباب في بن لادن ورأوها في أوباما. هتف له أحد الطلاب الذين كانوا في قاعة الجامعة حيث ألقى كلمته: «نحن نحبك يا أوباما».. استمع العالم الإسلامي بمعظمه إلى أوباما، وبقي بن لادن يزعق وحيدا داخل شريط مسجل في أحد أدراج مكاتب قناة «الجزيرة».