مبرمجون على رؤية الحق حقا

TT

بينما كان السعي واضحا لمنع وهدم محاولات تمكين الإسلام من حكم المسلمين؛ كان هناك الدأب والإصرار على إقامة كيان حكم صهيوني على أرض فلسطين المغتصبة تحت مسمى «الدولة اليهودية»، وبينما كان السعي واضحا لإحلال اللادينية وتنحية الإسلام وقيمه بعيدا عن حياة المسلمين؛ كان الدأب والإصرار لكي يصبح التطرف اليهودي، المتسلح بالغلو في العنف المتوحش والمرتكز على عقائد الخزعبلات والأساطير المختلقة، حقا وأمرا واقعا تحميه كتلة التحيز الأوروأمريكي تحت مسمى «العلاقات غير القابلة للكسر مع إسرائيل»! وبينما كان السعي مستمرا لتشويه كل تدين إسلامي؛ كان الدأب والإصرار لكي يعتمد التطرف والتعصب اليهودي باعتباره تدينا لا بد من احترامه والاعتراف به وإن لم يعترف بنا واعتبرنا ـ وفق فتاوى الحاخامات ـ أغيارا يحق لليهودي أن يقتلنا كلنا نساء ورجالا وأطفالا!

أنا من ذلك الجيل الذي يذكر من طفولته البرتقال اليافاوي الكبير بيضاوي الشكل ولونه الذي يسر الناظرين والذي كان يأتينا من فلسطين، من زرع وجني وفلاحة أهل فلسطين، وأذكر من طفولتي جيرانا لنا، في حي العباسية، يهودا مصريين وأجانب لاجئين إلى حمانا من أوروبا هربا من اضطهاد النازي وغير النازي من متعصبي أوروبا العنصريين، وأذكر كيف أدهشتنا غارات 1947 و1948 تخبرنا أن هناك أرضا في فلسطين تغتصب وجريمة إنسانية كبرى تحفر جراحا هي أخاديد في القلب لن تمحى إلا بعودة الحق إلى أصحابه.

أنا من الجيل الذي تمت برمجته على رؤية الحق حقا: أن ما أخذ من فلسطين لابد أن يعود بأكمله إلى فلسطين وهذا ما نسميه «العهد غير القابل للكســر».

رفض العرب في الماضي قرار التقسيم ـ 29\11\1947 ـ وجاء اليوم الذي نسمع فيه من يندم على هذا الرفض ويصفه بالفرصة الضائعة، كأنه كان من الواجب علينا أن نستسلم فورا!

كان المنطقي أن نرفض قرار التقسيم، أما الذي لم يكن من المنطقي فهو عجزنا عن تحرير المسلوب وخسران المزيد من الأرض عام 1967 في تقاعس عسكري هو الأجدر بالندم.

تمتلئ الصحف بأخبار ما يسمونه «الســلام»، وأقرأ وأسمع وأتابع ولا أفهم لأن المطروح لا يدخل العقل. ويسألني سائل: ما رأيك ؟ ألا يجب أن تكون القدس في أولويات المطالب المطروحة؟ وأكاد أفقد النطق لكني أقول دفعة واحدة: فلسطين كلها هي أولويات المطالب المطروحة.

أنا من جيل لا يفهم هذه اللغة التي صارت وسيلة التخاطب للجماهير فيما يخص فلسطين. لا أتهم ولا أصرخ: خونة، إنهم ضعاف العزيمة، لقد عاصرت استحالة فقد فلسطين فكيف أعتقد باستحالة استردادها كاملة غير منقوصة؟

لم يفقد الصهاينة الأمل في وهم مختلق وخزعبلات عمرها آلاف السنين فكيف نفقد نحن الأمل في «حق» عبر 61 عاما؟

لقد عاصرت فلسطين وهي فلسطين، فكيف أفهم هذه الرطانة التي تدور حول ما يسمونه «ســـلام»؟

لا يشرح أحد ولا يحاول الإقناع، والأجدر أن نتساءل: لماذا لا يتجمد الموقف حتى تأتي القدرة المرجوة؟ زمن الآتين بالعزيمة والإيمان ليرفعوا رايات التحرير الكامل للتراب الفلسطيني.

لا أزايد ولا أخطب ولكني ابنة جيل ذاق في طفولته البرتقال اليافاوي، وعليه بصمات أيدي فلسطينية فلاحة زرعته وجنته وقدمته للعالم من حصادها.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة ، قيل وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة». صدق رسولنا الأمين عليه أفضل الصلاة والســلام.