لبنان العجيب.. وبرلمانه الأعجب

TT

من المهم التوضيح بأن تعريف النائب بأنه يمثل الشعب ليس دقيقا تماما بالنسبة إلى لبنان العجيب، وأن هذه الحقيقة تتعارض مع المناخ الديمقراطي الذي يتباهى به هذا الوطن إلى جانب تباهيه بخصوصيته من حيث التعددية المذهبية مع أنها أحيانا سر مشاكله، وباعتماد سرية المصارف التي لا نظن انها سرية ما دام مصرف لبنان المركزي هو صندوق الأسرار وهذا المصرف له رئيس ونواب رئيس يمثلون طوائفهم. وحيث إن الولاء هو للطائفة ولحركتها أو حزبها أو تيارها فإن من يمثلها في حاكمية المصرف المركزي قادر على أن يحيطها بما من شأنه إفقاد هذه السرية عذريتها.

ما يعنينا الآن هو ما يتعلق بالانتخابات البرلمانية التي امتلأت ساحات مناطق لبنان الخمس بالكم الهائل من المرشحين الذين يخوض بعضهم السباق عن جدارة وهؤلاء نسبتهم قليلة. أما غير الجديرين وغير المؤهلين للسباق وهم بالعشرات فإنهم يطمحون إلى أن يقال عنهم إنهم خاضوا السباق وملأوا الجدران في العاصمة بيروت وبقية البلدات والقرى بالصور وبشعارات لا تبقى عالقة في الأذهان.

عمليا يجوز القول إنه إذا كان لبنان عجيبا فإن برلمانه هو الأعجب، حيث إنه يتألف من 128 نائبا كعدد لكن الذين تنطبق عليهم صفة النائب الذي يمثل الشعب ليسوا أكثر من 28 وأن الباقين يمثلهم زعيم أو رئيس أو مرجعية هذا الطيف أو ذاك. ودليلنا على ذلك أنه في زحمة السباق الانتخابي لم يردد أي من المرشحين الموزَّعين على عربات يقودها الزعيم ـ الرئيس ـ المرجعية كلاما خارج النص. وهذا ليس مندرجا ضمن أدبيات الالتزام وإنما لأن الكلمة هي للمتزعم المترئس المرجعية، ومن أجل ذلك نقول إن البرلمان اللبناني بدءا من يوم 8 حزيران/يونيو 2009 يتشكل من 28 نائبا فاعلا ومقررا ومناقشا ومن مئة يرددون ويصفقون ويرفعون الإصبع بالموافقة أو الصوت بالاحتجاج في حال جاءت كلمة السر من ولي الأمر.

على هامش هذه الحقيقة تبقى هنالك بضع حقائق وملاحظات تجوز الإشارة إليها استباقا للإعلان الرسمي عن نتائج السباق الانتخابي مع الاستناد في ذلك إلى واقع الحال لـ«الأعجوبة اللبنانية» وليس من باب القراءة في الفنجان.

الحقيقة الأولى هي أن من سيفوز بالعواصم الثلاث للبنان سيكون مالكا زمام ممارسة اللعبة بعد الفوز بجدارة. والعواصم الثلاث هي: بيروت عاصمة كل لبنان. وطرابلس العاصمة الثانية. وصيدا عاصمة الجنوب. بل إن الفوز بالعواصم الثلاث وببعض البقاع وهو ما خطط له ماضيا الرئيس رفيق الحريري ويطبِّق التخطيط بحذافيره وريثه السياسي ابنه الثاني سعد الدين، هو على صعيد الورقة السياسية بأهمية ورقة السلاح التي في يدي «حزب الله» والتي لن تبقى ورقة ضغط في حال نال الحزب أكثر مما توقَّع وبات قادرا على أن يثبت حضوره لاحقا كما يحلم أو يخطط في ثلاث وزارات هي المالية والإعلام والدفاع. أما لماذا لن تبقى ورقة ضغط فلأن الفوز يشكل أفضل غطاء لانصرافه إلى الدور السياسي فضلا عن أنه أيا كان حجم فوزه سيحتاج إلى اعتراف العالم به كي لا ينتهي أمره مثل حال «حماس» في «دولة غزة» بل مثل حال إيران نفسها التي لم ترفع قدراتها الصاروخية والكلامية عنها سيف العزلة المسلط عليها. ولقد شهد بذلك شاهد من أهل الثورة هو مهدي كروبي المرشح للرئاسة خلفا للرئيس المشاكس محمود أحمدي نجاد. ومن قبل كروبي شهد شاهد آخر من أهل الثورة ومرشح للرئاسة هو مير حسين موسوي.

وأما إذا حدثت المفاجآت وكان الجبل بـ «كسروانه» و«بترونه» و«جبيله» و«متنه» محاكيا لـ«شوفه» الجنبلاطي المستقر والحليف فهذا سيضع «حزب الله» المستأثر مع «حركة أمل» بكل جنوبه ومعظم «بعلبكه» أمام إعادة نظر جذرية في التحالف، ويكون الجنرال ميشال عون في محصلة الأمر أدى قسطه لـ«الشراكة» مع «حزب الله» وترك الميدان أو تُرِّكه على مضض للمسيحية السياسية المنتفضة على المسيحية السياسية المراهنة على قطبين إقليميْين لم تعد قدرتهما على التصعيد كما من قبل، وذلك في ضوء الحالة الدولية الجديدة التي يمكن لهما من خلال قراءة خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما ذي الـ 5804 كلمات مِن على منبر جامعة القاهرة يوم الخميس الماضي (4-6-2009) الوقوف على ما سيكون عليه المشهد الآتي مع نهاية هذه السنة، حيث التقى الرأي الأميركي مع الرأي الأوروبي وبمباركة النصيحة السعودية والحصافة المصرية على أن تكون في المشهد المشار إليه بداية التنفيذ لحل الدولتين. وبهذا الحل يتراجع المغامرون ويسعى كل طرف إلى الحصول ما أمكنه على نصيبه من قالب الحلوى. وحصة لبنان كبيرة في أي حال إذ لولا القلق الدولي عليه من الطمع الإقليمي به، لما كان هنالك الإسراع من جانب كبار أهل القرار العربي والدولي في التوجه نحو التسوية المأمولة. والمشهد الانتخابي اللبناني مؤشر إلى ما نقول.. وإلى احتمال ما يمكن أن يحدث.