«البعبع» المطلوب لحكم جبهة إسرائيل الشمالية

TT

«ليس كل ما يلمع ذهبا»

(مثل غربي)

الخوف..لا السلاح النووي هو السلاح الأخطر في الترسانة الإسرائيلية.

إذ ما كان سهلا على إسرائيل و«لوبياتها» المنتشرة في مراكز القرار السياسي الدولية ابتزاز مَن تحتاج لابتزازهم لولا إتقانها المزمن الكلام عن وجود عدو إقليمي متوحش «سيلقي باليهود في البحر».

وبخلاف ما يظنه البعض، فإن لعبة الخوف والتخويف هذه كانت في الماضي ولا تزال ـ وربما ستظل ـ الضمانة الأكيدة.. ليس لاستمرار الدعم الغربي اللا محدود لإسرائيل فحسب، بل أيضا لإجهاض أي ضغط غربي عليها لتقديم تنازلات تنتهي بـ«دولة فلسطينية» قابلة للحياة.

من هذا المنطلق، في صلب مصالح مؤسسة السلطة الإسرائيلية، القائمة على ثلاث قواعد آيديولوجية وعسكرية وتوراتية، ضرورة وجود «بعبع» إقليمي يهدد ولا يفعل.

الجنرال عطاء الله صالحي، القائد العسكري الإيراني البارز، صرح قبل بضعة أسابيع بأن إيران قادرة على تدمير إسرائيل في غضون 11 يوما.

تأملوا جيدا... 11 يوما.. لا 10 أيام ولا 12 يوما! جميلة الأمانة، وأجمل منها الدقة. أما السؤال الذي يطرح نفسه.. فهو لماذا لا تفعل؟ وماذا تنتظر؟

الإجابة يحملها الكلام الذي صدر عن أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي في الأسبوع الماضي. فليبرمان «الطري العود» في دهاليز السياسة الإسرائيلية، التي تقول الشيء وتعني عكسه، فضح الموقف الإسرائيلي الحقيقي من القدرات النووية الإيرانية عندما قال «إن إسرائيل لا تنوي ضرب إيران، وليس لها أن تقلق من قدرات إيران النووية التي تهدد فعليا المنطقة ككل، وبالتالي، يجب على العرب أن يتصدوا لها أولا».

زلة اللسان «الساذجة» هذه، بادر إلى «إصلاحها» فورا الجنرال والسياسي المجرب إيهود باراك، بقوله إنه «إزاء إيران النووية تحتفظ إسرائيل بكل خياراتها مفتوحة»!

على أي حال، هذا واقع يدعو إلى التفكير الجدي. فإسرائيل، ومن خلفها «لوبياتها» في أميركا وأوروبا، مستفيدة من الحالة الإيرانية، لأنها حالة مثالية بالنسبة إليها على عدة أصعدة، أبرزها اثنان:

* هدف القيادة الإيرانية هو لعب الدور الإقليمي الكبير الذي كان الشاه محمد رضا بهلوي يحلم به لإيران في الشرق الأوسط. وبما أن العقل الإيراني التحليلي الطويل الأناة يفهم المصالح الاقتصادية والجيوبوليتيكية في المنطقة، فهو يدرك أن هذا الدور لن يأتي إلا ضمن صفقة «مساومة تاريخية» مع واشنطن.

* الهجمة الإيرانية تخلق رد الفعل الطبيعي المعاكس، مما يعجل في توليد فتن داخلية وموجات تطرف وتطرف مضاد في كيانات تعزلها عن أراضي إسرائيل «أحزمة» القوات الدولية. وهذا أيضا ما تريده تل أبيب لأنه يؤمن لها الذريعة القوية لرفض تقديم أي تنازلات على الصعيد الفلسطيني في منطقة عديمة الاستقرار يسودها التطرف والعنف.

مثال آخر، هو «حزب الله» في لبنان. فهو أيضا يصر على تكديس السلاح بحجة «تحرير الأرض»، ولكن من دون تحديد دقيق لرقعتها وحدودها.. إذا كان لنا التوقف عند خطب الشيخ نعيم قاسم، نائب أمين عام الحزب، ولا سيما خطابه خلال الأسبوع الماضي في ذكرى الإمام الخميني ببيروت. غير أن «المشكلة» تكمن في أن تحرير الأرض، بما فيها القدس.. الواقعة ما بعد حيفا، دونه وجود قوات «اليونيفيل» الدولية المنشورة في لبنان. وهذه القوات منشورة بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي يحمل الرقم 1701. وهي بالتالي، تؤدي دورا فيه بعض الديمومة المدعومة دوليا. ومن ناحية ثانية، جاء نشر هذه القوات الدولية في جنوب لبنان لحماية أهل الجنوب وأرضه من عواقب أي «انتصار» آخر قد يحققه الحزب على إسرائيل. أي إنها تلعب الدورين «العازلين» السياسي والعسكري اللذين تلعبهما قوات «الأندوف» في هضبة الجولان المحتلة.

بناءً، على المثالين السابقين، معطوف عليهما «الممانعة» السورية الأزلية.. يجوز أن يشطح بنا الخيال إلى استنتاج لا يحتاج إلى ذكاء خارق.

نعم، إسرائيل لا تخشى السلاح النووي الإيراني. فهي لو كانت تخشاه حقا لكانت تصرفت من تلقاء نفسها، وهي التي أرسلت طيرانها الحربي لتدمير مفاعل نووي غير مكتمل في العراق.

أيضا، إسرائيل لا تخشى «الممانعة» السورية طالما أن خط الجولان أهدأ من جبال آلاسكا.

وأيضا وأيضا، لا تخشى «حزب الله»، بل على العكس، لا تمانع أبدا في تعزيز حضوره في لبنان. والدليل أنها دخلت معه غير مرة في مفاوضات غير مباشرة أهدته خلالها نقاطا ثمينة ليستثمرها في الساحة السياسية الداخلية في لبنان، بينما تسعى في كل مناسبة لإحراج خصومه.. الذين يصفهم خطباء الحزب بـ«جماعة أميركا».

وهنا نأتي إلى «الكومبارس» الضروري لإكمال «سيناريو» الفيلم.. أوروبيا وعربيا.

فلا شك أن الدور الذي تلعبه فرنسا منذ دخول الرئيس نيكولا ساركوزي إلى قصر الإليزيه يكشف جوانب مثيرة من هذا «السيناريو». فساركوزي، بخلفيته السياسية المعروفة، يرتبط بعلاقة ود عميقة بـ«اللوبي الإسرائيلي» الفرنسي، وعلاقة مصلحية طيبة مع بعض الدول العربية الخليجية الصديقة لكل من إسرائيل وإيران. وبعدما كان خلال حملته الانتخابية بالغ الصراحة في التمييز بين «نوعين» من «التطرف الإسلامي»، معتبرا التعايش ممكنا مع طهران بعكس التعايش المستحيل مع أصوليي شمال أفريقيا، فإنه بادر منذ توليه الحكم إلى قلب سياسة باريس رأسا على عقب في انفتاحه على دمشق وطهران، وبالأخص إزاء لبنان. واليوم يتكامل الدور الفرنسي بعد «اتفاق الدوحة» اللبناني، مع دور «حلفاء» إيران وإسرائيل من العرب، بعيدا عن أولويات الإدارة الأميركية الجديدة.

نعم، الكلام الدائر اليوم عن وجود خلافات بين واشنطن وتل أبيب صحيح إلى حد بعيد، لأن إدارة باراك أوباما المتحررة من «توراتية» الإدارة السابقة والرافضة لآيديولوجيتها المحافظة تريد تسويةً ما في الشرق الأوسط. والتسوية تقوم حُكما على حوار موضوعي بين جانبين مستعدين للحوار.

وهذا، بالضبط، ما لا يريده اليمين الإسرائيلي الحريص على تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، بالتوازي مع عقد الصفقات اللازمة مع الجهات الإقليمية التي سهلت تنفيذ الحرب الأهلية الإلغائية بين الفلسطينيين.

وهكذا لا يعود هناك أي غرابة على الإطلاق في التقاطع المثير في أهداف من يَبدون على طرفي نقيض في الصراع الإقليمي الراهن. وهنا، بالذات، الكارثة التي تنتظر الكيانات الموعودة العديمة الحصانة.. وفي مقدمها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك، الكيانات الموجودة والمهددة بالفشل بسبب مشاريع الفتنة الطائفية.. مثل لبنان.