شنو السالفة يا معود؟

TT

وسط انشعال الناس بخلافات «حماس» و«فتح»، ومتابعتهم لتطورات الوضع في دارفور، وما يحصل من ملاحقات للرئيس السوداني عمر البشير، وتواصلهم مع شرارة الفتنة في اليمن، وتصاعد الأزمة على أرضه، وانزعاجهم من القلق الإيراني المزمن، مما يحدث من اضطرابات مزعجة على الأراضي اللبنانية، التي لا تنتهي.. وسط ذلك كله وأكثر، بدأت تظهر بوادر مشكلة «كارثية» جديدة بين الكويت والعراق، وذلك مع تصاعد «حدة» التصريحات والاتهامات بين أعضاء البرلمان في كلا البلدين، مسترجعا ذكريات ما قبل الغزو العراقي للكويت، ومتسببا في قشعريرة «سياسية» مؤلمة، ومرارة و«غصة» هائلة في القلب، وكأن المنطقة «ناقصة» مصائب ومشاكل، حتى يفتح الجرح العراقي الكويتي مجددا! مما يستدعي طرح ملاحظات مستفزة، وهي هل الجرح العراقي الكويتي التأم أصلا حتى يمكن أن يفتح من جديد؟

تصاعد الحمم الكلامية بين أطراف رسمية في البلدين، يوضح أن هناك الكثير من المسائل الأساسية لا تزال عالقة بين الطرفين، لعل أهمها هو ترسيم واضح وصريح ومتفق عليه لحدودهما، وحسم مسؤولية المطالبات المشتركة. الأرضية خصبة وجاهزة للمزيد من التأجيج بين البلدين، فهناك توتر مذهبي وطائفي وعرقي مخيف، يموج بضراوة وسط أطياف المجتمع، وترتفع أصوات كالهدير الموحش منذرة بخطر سيدك معا الأمان والاستقرار «المصطنع». هناك تيارات واضحة وأخرى خفية تستفيد من تفاقم الأوضاع وازدياد الاضطراب، لأن في ذلك تزكية مؤكدة لنهج عنصري أو انقسامي، لصالح فكر أو طائفة أو عرق.

نعم هناك مشاكل «أساسية» وجوهرية وقديمة بين الكويت والعراق، والمشاكل تم التعاطي معها بكل الأساليب الخطأ، ولم تعط القدر المستحق ولا الجدارة المطلوبة لإيجاد الحلول القطعية، مهما كانت ثقيلة ومؤلمة وصعبة، ولكن الوضع السياسي الجديد (سواء أكان ذلك في العراق أم في الكويت) مع المتغيرات الإقليمية والدولية، يعطي هذه الخلطة الحارة «بهارات» مؤذية جدا.

التشنج والمبالغة في الاتهامات بين الطرفين، تجعل من سيناريو مواجهة وتصادم قادم مسألة حتمية لا فرار منها أبدا، وفي استمرار الاتهامات الموتورة والمطالب المستحيلة «شيء ما» سيحدث، وعلى الأرجح سيكون شيئا مؤلما ودمويا يعيد الآلام والجراح من جديد. العراق يموج بتيارات محمومة من كل الأطياف السياسية والدينية، قديمها وجديدها، يتقلب بعنف، وهذا الموج يزيح كل شيء من أمامه ومن طريقه، حتى ولو كانت دولة صديقة ومجاورة، وفي الكويت هناك تيارات تراهن على التغييرات الحاصلة، وترغب في استغلال الموج فتطلق العيارات وما يصيب منها فهو «خير وبركة»، وما يخطئ فهو «صوت صحي» يحقق مآرب أخرى.

المشكلة أن خلاف العراق والكويت، لم يعد من الممكن اعتباره مسألة بين دولتين، فالحسابات الإنسانية والمعنوية والمادية لا تزال فواتيرها تسدد لليوم، وحتى أجيال قادمة بدون شك على الأرجح. مطالبة العرب لإسرائيل برسم حدودها الصريحة مع الدول العربية، وإيران بالاعتراف الصريح بالجزر الإماراتية وبمملكة البحرين، تأخذ أشكالا مضحكة في ظل عجزهم عن إقناع العراق «بالاعتراف» التام والمطلق وغير القابل للتشكيك بالكويت وحدوده معها.

بعد الذي حدث بين الكويت والعراق، ومسلسل الهم الذي تلا الغزو الأحمق، وحلقات الكآبة التي لا يزال الكثيرون يعيشون فيها، أصبح من الضروري «تجريم» أي صوت يرتفع ليحرك الملف الخلافي مجددا، وهذه مسألة ليس لها علاقة بحرية التعبير عن الرأي، ولكن لها علاقة بحق التمتع بالعيش بأمان وكرامة، ولعمري هذه مسألة أخطر وأهم بكثير.

[email protected]