حملة أوباما بونابرت

TT

أوباما بونابرت، لأ... بل أوباما المنتظر، وصفان حديان متناقضان يلخصان المواقف العربية من خطاب أوباما الأخير، أحدهما جعل من الرئيس الأميركي «أوباما المنتظر» الذي يملأ الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، كما صوره الزميل فهمي هويدي في نظر بعض المحللين العرب، و«أوباما بونابرت» في العين العربية الأخرى بسوء طويته وخبث نيته ومكره ودهائه الذي يذكرنا بنابليون بونابرت القائد الفرنسي الشهير الذي زار هو الآخر القاهرة فاتحا كما زارها أوباما خطيبا، ويقولون إن بونابرت قاد على تخوم القاهرة حملة عسكرية، وكذلك فعل أوباما كما يقولون حين شن في أروقة جامعاتها حملة ثقافية، الأول دخل القاهرة ممسكا بالقرآن لابسا للعمامة آكلا «للفتة» وواعدا المسلمين بأن يقودهم في مسيرة إلى البيت الحرام، وأوباما الذي دخل القاهرة بديانته الإسلامية السابقة وسحنته الأفريقية السمراء واسمه الحسيني الديني، حتى تحول في حملته الثقافية الخادعة إلى «ملا» كما يقول بعض العرب من كثرة استشهاداته بنصوص القرآن الكريم.

وغاب في كثير من هذه التحليلات الموضوعية والواقعية، فأوباما في نظر الواقعيين الذين لا ينظرون إلى الأشخاص بمنظار «إما أن تكون قديسا أو تكون إبليسا»، أدركوا أن الرئيس بخطابه التصالحي لم يكن في سلم أولوياته بطبيعة الحال رفاهية وازدهار العالم الإسلامي، وإنما رغبة أكيدة في أن يصلح أوباما العطار ما أفسده دهر بوش، فمصالح أمريكا السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية أصيبت في عهد الرئيس السابق بأضرار بليغة حتى وضع بعض المفكرين حقبة الرئيس بوش بداية لانحدار مؤشر الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم، فحين يأتي رئيسها الجديد بلونه المختلف وسياسته التصالحية المبنية على الشراكة، فهي في نظرنا لا تعدو أن تكون ضمن خطة طوارئ تجميلية للوجه الأميركي أمام العالم الإسلامي، هذه العملية الأوبامية التحسينية تحتاج إلى خطوات عملية تقنع الشعوب الإسلامية قبل الحكومات بجدية أمريكا في تلافي أخطائها السابقة وإلا فلن يكون أوباما أحسن حالا من سابقيه. الإيماءات الإيجابية في خطاب أوباما كثيرة، أبرزها رغبته في تأسيس علاقة مع العالم الإسلامي قائمة على الشراكة وليس على الفوقية كما كان يفعل سلفه أو أسلافه، وصراحته الواضحة في الاعتراض على المستوطنات الإسرائيلية وهذه غير مسبوقة، واعترافه الضمني بشعبية حماس وأهم من ذلك عدم وصفها بـ«الإرهابية»، وإرادته الواضحة في صنع تقارب تاريخي بين العالم الغربي والعالم الإسلامي، في الوقت ذاته لم يغب عنا الخطاب التناقضي في كلمته، ففي الوقت الذي يدعو فيه إلى سحب قواته من أفغانستان وباكستان وفي الوقت ذاته يضاعف عددها، ويمارس ضغطا على حليفته باكستان لحرب طالبان مما تسبب في قتل الألوف من المدنيين وتشرد مئات الألوف. إن أول الرهانات التي أسقطها أوباما بعد خطابه القاهري الأخير، أنه أثبت أنه خال من مركب النقص بسبب خلفيته الإسلامية والأفريقية، فقد راهن كثيرون أنه بعد وصوله للبيت الأبيض وحتى يثبت براءته من هذين الانتماءين وتخلصه من رواسبهما، فسيتصرف حيالهما بحساسية مبالغ فيها فلا نفرق حينها بين مواقفه وبين مواقف متعصبي المسيحيين ومتطرفي البيض، فلم يكتف أوباما في خطابه بتبديد هذا الوهم، بل زاد جرعته التوددية نحو الإسلام والمسلمين بصورة لم يسبقها إليه زعيم أميركي منذ الرئيس المؤسس جورج واشنطن. إن الصدى القوي والاهتمام العالمي الإعلامي الذي رافق خطاب أوباما، جعل صديقا ومفكرا عربيا يطرح اقتراحا أراه وجيها، وهو ضرورة أن يقوم العالم الإسلامي بتنظيم خطاب مماثل يلقيه زعيم مسلم مفوه ذو وزن ثقيل يوجهه للعالم المسيحي من عاصمة غربية مهمة، وهذا بحق اقتراح غير مسبوق لأن كل الخطابات السابقة جاءت عبر مؤتمرات نخبوية لم يكن للشعوب الغربية منها نصيب قوي، كما أننا لا نعرف خطابا وجهه زعيم مسلم إلى العالم الغربي بالطريقة التي خاطب بها أوباما العالم الإسلامي.

[email protected]

[email protected]