حسن الجواب

TT

«المهرج» ترجمة ركيكة جدا لكلمة clown التي تتردد كثيرا في الأدب الإنجليزي، ولها شخصياتها المثيرة والظريفة في مسرحيات شكسبير. كلمة «الطفيلي» أدق في رأيي ترجمة. فالكلاون يتطفل على الموائد ويعيش ذيلا على المتمكنين. يمتاز بحدة الذكاء وسرعة الجواب وبالحكمة الممتزجة بالسخرية والجد المرتبط بالهزل. والواقع أن العرب خرجوا بكلمة الطفيلي من محتواها الأصلي فيما بعد وأخذوا يستعملونها في نعت أي ظريف ومنكت.

سبق أن كتبت وقلت إن من أول أسلحة الطفيلي الناجح اللسان اللذق القادر على إفحام من يندد به أو يتحداه ثم يعطيه الفرصة لبلوغ مبتغاه، وهو طبعا الأكل. كثيرا ما تنطوي أجوبته على درر من الحكمة والفلسفة. سألوا طفيليا يوما، لماذا يقف العلماء على أبواب الأغنياء ولا يقف الأغنياء على أبواب العلماء؟ فقال هذا لأن العلماء يدركون فضل المال في حين أن الأغنياء لا يدركون فضل العلم.

من أمثلة حسن الجواب وحضور البديهة التي يتميز بها الطفيليون ما يجدر بأي شاعر مسترزق أو أي سياسي محترف أو وزير مختلس وموظف مرتش أن يدرسه ويتعلم منه. مر طفيلي على قوم يتغدون، فقال «سلام عليكم يا معشر اللئام». فقالوا: لا والله بل كرام. فثنى ركبته وجلس وقال : «اللهم اجعلهم من الصادقين واجعلني من الكاذبين».

ودخل طفيلي إلى قوم يأكلون فقالوا له: ما دعوناك. فما الذي جاء بك؟ فقال: إذا لم تدعوني ولم آت وقعت الوحشة بينكم. فضحكوا وقربوه للخوان.

من حكاياتهم، يروى أيضا أن طفيليا رأى نفرا من الزنادقة يسار بهم إلى القتل. فظنهم في طريقهم إلى صنيع فتلطف حتى دخل في لفيفهم وصار كواحد منهم. فلما وصلوا ضابط الشرطة أمر بضرب أعناقهم. فقدموا واحدا بعد واحد حتى انتهوا إليه فتوسل بالضابط: إني والله لست منهم ولا أعلم بما يدينون. إنما أنا طفيلي ظننتهم في طريقهم إلى وليمة فتلطفت ودخلت بينهم. فقال: هذا لا ينجيك. اضربوا عنقه! فقال: أصلحك الله، إن كنت عزمت على قتلي فأمر السياف بأن يضرب بطني بالسيف فهو الذي أوقعني في هذه الورطة. فضحك الضابط وأطلق سراحه.

وردت في التراث أمثلة أخرى على هذا النسق وعلى الخصوص في «نهاية الأرب في فنون الأدب». منها ما صادفه المأمون عندما عهد بطفيلي إلى إبراهيم بن المهدي ليؤدبه.

وخرج جماعة في سفر فلحق بهم طفيلي. وكان أن اتفقوا على أن يتشاركوا في النفقات. فقال الأول علي كذا. وقال الثاني علي كذا. وقال الثالث وعلي كذا. فلما بلغوا الطفيلي قال: وعلي.. ثم سكت. فسألوه ماذا عليك؟ فقال : لعنة الله ان لحقت بكم. فضحكوا وأعفوه من النفقة.

ومن جوعيات الطفيليين أن سأل تلميذ طفيليا كم اثنين في اثنين أجازك الله؟ فقال: «أربعة أرغفة».

www.kishtainiat.blogspot.com