مصارعة الديَكة في إيران

TT

فوجئت باللغة التي سادت الحوار الانتخابي بين الرئيس الإيراني أحمدي نجاد وخصمه مهدي كروبي، ليس لأن الاثنين دخلا في شجار كلامي، بل لأن لغة الكلام هبطت إلى درجة الحديث عن الزوجات، واتهام بعضهما في قضايا مالية، وتمريغ ذمتهما المالية في التراب. وكاد الرئيس نجاد الذي كان أكثر هدوءا وسيطرة على أعصابه أن يشنق نفسه في تعليق بريء عندما انتقد قدرات كروبي كرجل دين، مشيرا إلى أنه لا يفهم شيئا في الدبلوماسية، لكنه تدارك نفسه فخص بنقده كروبي فقط، حتى لا يظن رجال الدين الممسكين بأوتاد الحكم في البلاد أنهم المقصودون بالتجهيل.

والحقيقة أن نجاد محظوظ بالنظام الانتخابي الذي سمح فقط لثلاثة تم انتقاؤهم بالترشح ضده في الانتخابات، وبالتالي لم يكن ذلك خيار الناس كما يُفترض في الانتخابات، بل قرار النظام الذي استبعد مئات المرشحين، فكانت مثل مناظرة بين أبناء الحزب الواحد. ولا تلام إيران، فهذه ديموقراطية العالم الثالث، فالمظاهر خادعة، حيث الترشح والدعايات والمناظرات وصناديق الاقتراع، لكن ما وراء المظهر تبدو الحقيقة بائسة، نظام واحد يحكم كل شيء، ويقرر من يترشح، وعلى ماذا، ومن البداية وحتى النهاية على المتسابق أن يحظى بموافقة رجل واحد، مهما كان رأي عامة الناس.

مع هذا لا بد أن أعترف بأن المناظرات التلفزيونية جانب إيجابي، حيث أطعمت المشاهدين مذاقا مختلفا عن الداخل الإيراني. منحت نافذة لسماع بعض ما يقال في بلد زاد فيه خنق الحريات منذ تولي نجاد الحكم، منهيا ربيع محمد خاتمي الذي كان علامة فارقة، وسيذكره التاريخ الحديث لإيران بأنه كان الوجه الحسن للثورة في داخل وخارج البلاد.

وعودة إلى الجدل بين نجاد وكروبي فقد اختصم الاثنان على تسمية الخليج بالفارسي، واتهم كروبي نجاد بأنه ألّب العرب دونما حاجة، في حين اعتبرها نجاد مسألة مبدئية، معلنا أن هذا هو اسم الخليج قبل خمسمائة عام من ميلاد المسيح. وهنا تظهر لنا الكيفية التي تستخدم بها القومية في تحصيل الجماهيرية، على الأقل بالنسبة إلى نجاد الذي يدغدغ عواطف مواطنيه. وهو مثل أي مرشح سياسي آخر في العالم يتاجر بالاعتزاز القومي، مثل الدفاع عن بناء البرنامج النووي، ويخترع قضايا خلافية مثل تسمية الخليج لجذب الناخبين إلى معسكره، حيث إن غالبية الإيرانيين بالتأكيد يصرون على أنه «الفارسي»، مثلما أن العرب يتعصبون لتسميته «العربي». لكن هل تستحق تسمية خليج أن يُزَجّ بها في نقاش انتخابي؟ كروبي استفسر بنفس المنطق، حيث انتقد نجاد بشكل شجاع في مسألة إنكار المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية، فرد عليه نجاد أنه تشكيك يقول به آخرون. أجابه كروبي هل تستحق مسألة قديمة كهذه تخريب علاقات إيران بالغرب؟

كروبي يدرك أن نجاد لا يستطيع أن يدافع عن نفسه ويقنع الشعب الإيراني بالأداء الرديء للاقتصاد، ولا بتبديد أموال الجمهورية على الحروب في الخارج في وقت كثير من مواطنيه لا يستطيعون دفع ثمن غاز التدفئة في أيام الشتاء القارس. الهروب إلى الأمام حيلة كلامية قديمة للتخلص من القضايا الصعبة، وقد أثبت نجاد أنه قادر على إتقانها حتى أفشل اعتراضات كروبي بلغته الشعبوية.

[email protected]