انتخابات الخمينيين: ما هي النتيجة؟ وما العمل؟

TT

بعد ثلاثة أيام سيصوت الإيرانيون لأربعة مرشحين لانتخابات ساخنة تدور في ميدان ثورة الخميني، الذي لا يحق لمخالفي ولاية الفقيه المنافسة فيه. فهذه هي ديمقراطيتهم التي لا تدع مجالا للتحليل والاجتهاد في تقدير حجم المتغيرات الداخلية والخارجية المتوقعة. لأن مشكلة العالم معهم تكمن في نهج الثورة ومبادئها وسلوك القائمين على إرثها.

لا أخفي دهشتي من الدور الفعال الذي لعبه مير حسين موسوي في الحملة الانتخابية إلى حد فرض وجوده منافسا أقوى لنجاد. فعلى الرغم من إشغاله رئاسة الوزراء لدورتين خلال حرب السنوات الثماني، لم يكن في وضع قيادي يتطلب رصد أقواله وتحليلها، ولا أذكر مرة واحدة تطلبت الوقوف على نشاط يقوم به وتحليله، حيث كان منشغلا بالأعمال المدنية والإدارية، ولم يتعاكس يوما مع نهج الثورة الخمينية، حتى قبل تقوقعه على مدى عشرين عاما، إلى أن كادت صورته تنسى.

ما يميز موسوي، علميته في تشخيص الوقائع، وقد أصاب عندما أشار خلال المناظرة مع نجاد إلى أن السياسة الإيرانية لم تترك صديقا واحدا لهم في المنطقة، لاطما، لغرض انتخابي، المحتجين من ذيول الخمينيين في بلاد العرب على من يشخص المخاطر. ويبدو تركيزه منصبا على اتباع سياسة تهدئة خارجية تعتمد المتغيرات اللفظية، وهو بذلك يميل إلى المناورة لبلوغ الهدف.

وكان مُدهشا أيضا عدم قدرة محسن رضائي على كسب تأييد الباسدران على الرغم من صلات المصاهرة مع القادة، وقيادته له على مدى ستة عشر عاما، فما قيل عن مساندة نحو خمسين قائدا باسدارانيا سابقا لموسوي، يعتبر مفاجأة. فهل حُمل رضائي مسؤولية الانكسارات التي لحقت بقواته والتضحيات البشرية الضخمة التي منيت بها؟ وربما يأتي يوم يقول فيه انه حُمل مسؤولية قرارات خاطئة اتخذها الخميني بدعم وتعزيز من رفسنجاني وخامنئي، أطالوا بها أمد الحرب، ولم يكن هو إلا قائدا ميدانيا فرضته ولاءات الثورة وتحمل وزرها، فيما لم تكن له مؤهلات استراتيجية لمجابهة فنون جنرالات مؤهلين.

وإذا ما قُدر أن تتحول الاحتمالات الضئيلة لفوز رضائي إلى حالة أخرى على نغم دعايات حرب مقلوبة، فإنه لن يستطيع التغني بما حصل خلال أعوام الحرب، لأن بينهم من سيكشف مرارات ما حصل، حتى لو اصطدم بجدار تغليف الوقائع وتحريفها. وما قوله عن إيقاف إسرائيل عند حدها بضربة واحدة، إلا مدعاة للشك في نياته في مجال أسلحة الدمار الشامل. ويبقى ابتعاده عن المرشد، وقلة خبرته الإدارية، والتنافس بين قادة الباسداران عناصر معرقلة لوصوله إلى غايته.

أما مهدي كروبي، ففرصته هو الآخر ضعيفة، وقد لا يرغب المرشد بتولي عمامة لمنصب الرئيس، كي لا تمثل عمامة أخرى موقع منافسة واختطاف أنظار عن المرشد.

ويبدو التنافس حادا بين نجاد وموسوي، وأنفاس المرشد مع نجاد كليا، لأنه لا يجد من هو أكثر ولاء منه، وصدقا وشفافية وثورية وفقا للقياسات الحاكمة في إيران.

داخليا، مواصلة فرض الدين قاسما مشتركا برغم التنوع غير المتلاقي، وفرض الهيمنة الفارسية على بقية القوميات التي تشكل نحو 60%، وربما أكثر، من مكونات الدولة الإيرانية، وبرعت ثورة الخميني في إيجاد عقيدة خاصة بها اتخذت الدين ستارا لفلسفة جديدة، لا تختلف كثيرا عن امتداد التاريخ. وما حصل في ولاية سيستان وبلوجستان ذات الطابع البلوشي السني، إثر عمل إرهابي استهدف مسجدا للشيعة، يعكس حالة التصادم بين المكونات في ظل الكبت متعدد الأوجه. وأي عدل إلهي هذا الذي يعطي صلاحية إعدام ثلاثة أشخاص على خلفية التفجير خلال 48 ساعة فقط؟ وإذا كان أمنهم بهذه الكفاءة فلماذا لم يقبضوا على الفاعلين قبل وقوع الفعل؟

وإذ يعزف كروبي ورضائي على وتر الحيف اللاحق بالقوميات غير الفارسية، لأسباب انتخابية، وشعور بتهميش المكونات التي ينتمون إليها من اللر والبختيارية، والتركمان الصحراويين السنة والأذربيجانيين والكرد والبلوش وعرب الأحواز..، فإنهما يعترفان بأن ما يسمى بالعدل الإلهي ليس إلا غطاء لمشروع أحادي الجانب.

خارجيا. لن يغير الرئيس الفائز من الطروحات التي جبل عليها، فالخليج فارسي والجزر إيرانية والبحرين كذلك، وأروند رود تسمية جاهزة لشط العرب، وهو ما قاله علي أكبر ولايتي لطارق عزيز في مفاوضات جنيف عام 1988، إذا بقيت تسمي خرمشهر المحمرة فسوف أسمي شط العرب أروند رود!

حتى عندما قررت إيران وقف تخصيب اليورانيوم في فترة ولاية خاتمي، فإنها كانت مناورة مخادعة لكسب ود الغرب للتضييق على المعارضين السياسيين، لأن وضع إيران كان ضعيفا، وصدام لم يزل موجودا ويمكن أن يعيد العالم الكرة عليهم به، والاقتصاد العالمي كان في ذروة قوته. أما الآن فإن وقف التخصيب لم يعد واردا إلا إذا شعر المسؤولون الإيرانيون بسطوة القوة، أو وجدوا بدائل سرية للوصول إلى الغاية. هذا على مستوى قيادة المرشد، أما الرئيس فلا يملك إلا سلطة الشرح والاقتراح، وفي النتيجة فإن النصيحة، بلا طلب، يمكن أن تقدم مرة أو ثلاث، تقع بعدها تحت باب العرقلة ومعاكسة مبادئ الثورة.

وأما تعاون أقطاب في النظام الإيراني مع قوى الإرهاب، فأصبح جزءا من فلسفة متغلغلة بما يسمى جيوش الحرية، لكنهم سيجدون أنفسهم مغرقين بذات الداء، فالمؤشرات تدل على أن أفعالهم بدأت تنقلب عليهم، فإيران أوهن البيوت المعرضة لتطبيق نظريات الشرق الأوسط الجديد، خصوصا إذا ما أدار السياسيون والإعلاميون من المكونات التي تشعر بالظلم اللعبة بذكاء، وإذا ما اضطرت دول مستهدفة خمينيا على مد يد العون لهم من باب الفعل الوقائي.

وعموما، إذا ما فاز نجاد، وهو أمر (قد) يتحول من درجة الاحتمال إلى موقع الترجيح، فسوف يضيع على إيران فرص المناورة، ويساعد العالم على اتخاذ قرارات قبل ضياع الوقت. وإذا ما فاز موسوي، فسيدخل العالم في دوامة حيرة تكسب إيران وقتا حساسا، والى أن يثبت للمحاورين أي نظرية أصح (الدجاجة من البيضة أم العكس)، يكون الوقت قد فات.

ومهما كانت النتيجة، ينبغي على العرب تعزيز الشعور بوجودهم ومكانتهم بين أمم خلاقة، وأن يقولوا للمسؤولين الإيرانيين، كفوا عن قراءات التاريخ. وأن يثبت الغرب لإيران أن السلاح النووي لن يجلب لها خيرا بقدر ما يدفع العالم إلى إجراءات قوية، أو هكذا يفترض، تصبح إيران الدولة تحت وطأتها في حيرة مما يدور في ولاياتها، فلا تستفيق من حالة وعي ديمقراطي نشط إلا تظهر أخرى.