قراءة أولية للانتخابات اللبنانية

TT

بالرغم من عورات القانون الانتخابي الكثيرة وغير الدستورية، قرر اللبنانيون تجديد الثقة بالغالبية السابقة، حتى ولو كان التوزيع الداخلي وتقاسم المقاعد قد تبدلا ضمن كل فريق ـ موالاة ومعارضة. تنفس الكل الصعداء، لقد مر القطوع الكبير. يُشكر ويُهنأ وزير الداخلية الفتي. يُهنأ الرئيس ميشال سليمان على اختياره لهذا الوزير المحامي، لأهم وزارة أمنية تعتبر الحاكم الإداري للبنان.

في الصورة الكبرى، حافظت الغالبية القديمة على موقعها ونالت 71 مقعدا. وهذا العدد يعطيها القدرة على الحكم، على تسمية رئيس الوزراء، كما على انتخاب رئيس المجلس، لكن دون القدرة على تعديل الدستور، الأمر الذي يتطلب ثلثي أعضاء المجلس النيابي.

منيت المعارضة بخسارة لأن طموحاتها كانت أكبر من ذلك. لكن هذا الأمر لا يعني أنها ستكون بعيدة عن الحكومة. كما لا يعني أن الغالبية أصبحت قادرة على إيجاد حل سريع لسلاح حزب الله، أو لأي سلاح خارج إلاطار الشرعي.

اطمأن الغرب إلى النتيجة كما اطمأن العرب المعتدلون. لم يستطع حزب الله الحصول على الغالبية لنسج عباءة شرعية سياسية تغطي مشروعه الكبير.

والواقع أن هذه النتيجة ستجعل حزب الله مقيدا أكثر، لأنه هو الذي طلب هذا القانون في الدوحة، ولا يمكنه رفض نتاجه. كذلك الأمر، لا يمكنه تكرار 7 أيار، أو الاعتصام، فهذان الأمران يتطلبان واقعا جديدا متأزما في الإقليم.

ستطمئن هذه الانتخابات رؤوس الأموال، كما ستجعل الموسم السياحي مميزا لهذا العام، الأمر الذي سيسعد الرئيس فؤاد السنيورة الذي انتزع صيدا من المعارضة، مما قد يؤمن عودته كرئيس حكومة، هذا إذا رفض النائب سعد الحريري المنصب.

في صورة الميكرو، لم تزد هذه النتيجة شيئا إلى رصيد حزب الله، فالنتيجة في المناطق الشيعية كانت محسومة قبل بدء العملية الانتخابية. وينطبق هذا الأمر على تيار المستقبل وحلفائه. أما بالنسبة إلى الدروز، فإن الوزير وليد جنبلاط كان قد قرر حلا يحفظ وحدة الطائفة عندما أمن مكانا للأمير طلال أرسلان في عاليه.

وفي ما يخص نسبة الاقتراع المرتفعة، حتى في الأماكن المحسومة، فإن كل فريق أراد حصد عدد كبير من الأصوات، بهدف تحديد الأحجام.

لا تنطبق هذه الأمور كلها على المسيحيين، خاصة الموارنة. فالمعركة كانت شرسة جدا بين الزعامات. لكن كيف تبدو الصورة عند المسيحيين؟

* ربح حزب الكتائب خمسة مقاعد، هو الحزب الذي قدم مؤخرا شهيدين. فعادت بذلك الزعامة الكتائبية عبر الشيخ سامي أمين الجميل

* ربح حزب القوات اللبنانية خمسة مقاعد، الأمر الذي ثبته كلاعب أساسي ضمن المجتمع المسيحي ـ الماروني، وضمن تحالف 14 آذار

* أما تكتل التغيير والإصلاح ـ الجنرال ميشال عون ـ فهو ربح في مكان، وخسر في أمكنة أخرى. ومن الضروري تحليل الخسارة والربح، فماذا عنهما:

- ربح الجنرال قضاء كسروان، وهو أصلا كان له.

- ربح قضاء جبيل وهو أيضا كان له.

- ربح قضاء جزين، بعدما انتزعه من يد الرئيس بري، وهذه خسارة لهذا الأخير.

- لم يحقق الجنرال نصرا كاملا في المتن، فكانت النتيجة 6 مقاعد له مقابل 2 للموالاة.

- لكن الجنرال خسر كل زحلة ـ 7 مقاعد، مع خسارة تاريخية للزعيم الكاثوليكي الأوحد للمدينة الياس سكاف.

- خسر الجنرال قضاء البترون، حيث صهره مرشح ـ 2-0.

- خسر الجنرال دائرة بيروت الأولى 5-0 حيث نائب رئيس الحكومة اللواء عصام أبو جمرة.

لكن الجدير ذكره، هو في عدم القدرة على الحسم كما حصل في العام 2005. ففي تلك الانتخابات، حسمت النتيجة باكرا في الصباح، أما الآن فلم تتأكد النتيجة إلا في وقت متقدم من الليل. كذلك، لم تكن الفوارق في الأصوات كبيرة كما كانت في انتخابات العام 2005. وهذا أمر يعني أن هناك تحولا كبيرا في المزاج المسيحي.

بعد هذه النتائج، لا يمكن للجنرال عون القول إن مسيحيي 14 آذار يربحون بأصوات السنة. فهو ربح قضاء جبيل بأصوات الشيعة. كما ربح قضاء بعبدا بأصوات الشيعة أيضا، هذا عدا دور الصوت الأرمني في ضمان نصره في قضاء المتن.

بعد هذه النتيجة، سوف يكون دور رئيس الجمهورية مهما جدا. فهو سيعايش هذا المجلس لأربع سنوات، وسيشرف على انتخابات ثانية للمجلس الجديد في العام 2013، والذي بدوره سينتخب الرئيس الخلف للرئيس سليمان. لذلك قد يمكن القول إن سليمان سيلعب الدور الأساسي في المرحلة المقبلة.

*عميد متقاعد في الجيش اللبناني وباحث أكاديمي