السماوات الملونة.. والقلوب السوداء!

TT

شغل اللبنانيون أنفسهم وهم يودعون ناخبيهم بألوان مختلفة للسماء، فمنهم من وعد بزراق السماء وآخرون بصفارها وببرتقاليتها وغيرها من الألوان. إنها الانتخابات النيابية ولكنها بنكهة لبنانية خاصة وخالصة لا يمكن إغفالها. على الرغم من جمال «الشكل الديمقراطي» والانبهار المصاحب له فإن المضمون يبقى مصدر قلق وخوف على المنطقة بأسرها. إذ أن هذه الانتخابات تكرس «بعبع» التقسيم العرقي والمذهبي الذي يهدد المنطقة العربية بأسرها والمليئة «بالداء» اللبناني، والكثير من الدول لديه الجاهزية والهشاشة المؤهلة للتقسيم البغيض هذا.

في لبنان يتفاخرون بهوياتهم العرقية والطائفية والمذهبية أكثر من افتخارهم بانتسابهم إلى لبنان نفسه، ينزلقون بكامل إرادتهم ورغباتهم إلى أوحال الانقسام الطائفي.

وعود الانتخابات تحولت إلى وعيد وتحذير وإنذار وتهديد بمعارك «كسر عظم» وشراء الأصوات أخذ أشكالا فجة لم تقتصر على أي شيء غير ممكن، أكثر من 60 ألف ناخب مغترب تم «إحضارهم» بمختلف الأشكال من بلاد المهجر وذلك لتعزيز فرص المرشحين. وصفت الانتخابات الحالية بأنها «الأكبر، والأهم، والأخطر» في تاريخ لبنان لأنه سيحدد مصيره واتجاهه، وهناك من زايد على هذا القول وأضاف بأنها ستحدد مصير المنطقة بأسرها! يا لطيف ويا للهول.. إلى هذه الدرجة يمكن المبالغة في انتخابات نيابية لبلد صغير كلبنان؟ الانتخابات اللبنانية تخطت حدود الأهداف المعلنة والواضحة لها ليتم الحديث عن إنهاء «الجمهورية الحالية» والمطالبة بإنهاء ولاية ميشال سليمان (وطبعا ليكون للعماد ميشال عون فرصة تحقيق حلمه «النيروني» و«الشمشوني» والذي يقتضي أن يصل إلى كرسي رئاسة الجمهورية بأي ثمن وبأي طريقة)، وأستغرب عدم طرح ضرورة التغيير أيضا في رئاسة البرلمان في لبنان فهذه لعمري حجة أبلغ وأهم وأوقع ومطلب لن يجد المعارضة المنطقية عليه. الانتخابات مرت عموما بهدوء وبلا مفاجآت مؤلمة وهذه شهادة في حق نجم الانتخابات الأول والحقيقي وزير الداخلية زياد بارود والذي كان عنصر ضمانة وعقل وحكمة في وسط أمواج القلق والشد والجذب الشديد، ولكنها كشفت عن مسافة سوداوية هائلة في قلوب اللبنانيين بعضهم تجاه بعض وحجم الانقسامات المهول بداخلهم. الموضوع لا علاقة له بفكر أو حزب أو آيدولوجيا سياسية، ولكنها فجوة وهوة هائلة تحتم القول إن لبنان يعيش بداخله «شعوب» لا رابط بينها ولا علاقة تجمعها إلا علَم واحد وفيروز وصحن حمّص ومناقيش زعتر. ليت لبنان هو صخرة روشة وجبل ثلجي وأشجار صنوبر وأرز وصوت فيروز ولكن مع الأسف أصوات مزعجة ونوايا خبيثة وقلوب سوداء تتغنى كلها بسياسة غير لائقة.

[email protected]