تغيير سلوك من؟

TT

طبيعي أن يحاول الطرف المهزوم في أي ردود فعل أولية عقب أي انتخابات أن يحاول إيجاد مبررات غير مسؤوليته هو عن النتيجة التي جاءت في غير صالحه، لكن الطبيعي أيضا أن يسعى ولو بعد فترة إلى قراءة أكثر هدوءا لما حدث ويراجع سياساته ليعثر على مواطن الخطأ.

وفي حالة حزب الله اللبناني، وهو الطرف الخاسر في الانتخابات الحالية، باعتباره يقود ائتلاف المعارضة، فإن ردود فعله الأولية فيها ما هو إيجابي، وفيها أيضا ما هو سلبي ويعكس عدم قراءة صحيحة للخريطة وماذا يريد الناخب اللبناني الذي صوت للأكثرية الممثلة في 14 آذار؟

الإيجابي هو أن الحزب عبر من خلال التصريحات الأولية عن إقراره بالهزيمة واعترافه بالنتيجة كما هي، والسلبي هو ما صرح به أحد نوابه الذي لوح باستمرار الأزمة مع المعارضة الممثلة في تحالف 8 آذار، إلا إذا غيرت الأغلبية سلوكها واعتبرت أن السلاح مسألة غير خاضعة للنقاش، ومنحت المعارضة ضمانات أو الثلث الضامن (المعطل) في الحكومة. وهو كلام يعني العودة إلى المربع الأول للأزمة وكأنه ليست هناك قيمة لصوت الناخب اللبناني.

فالقراءة الصحيحة لنتيجة الانتخابات اللبنانية تدل على أن الناخب اللبناني أعطى صوته للتيار أو الائتلاف الذي يرفع شعار بناء الدولة العصرية، وتقوية مؤسساتها، وأعطى ثقته للتحالف الذي يرى أن السلاح يجب أن يكون في يد الجيش والدولة، مثل أي دولة أخرى في العالم، ولم تخدعه الشعارات الحماسية التي تتحدث ليل نهار عن المواجهة، بينما ثبت أنها تخفي في طياتها أجندات إقليمية لا علاقة للبنان بها، وأن هذا السلاح مهمته الأساسية هو الاستقواء داخليا كما حدث في اجتياح بيروت الأخير قبل مؤتمر المصالحة في الدوحة.

إذن من الذي يحتاج إلى تغيير سلوكه.. الأكثرية التي أكدت مجددا أحقيتها في أن تكون أكثرية، أم التحالف المناهض لها وبالتحديد حزب الله باعتباره القوة المحركة التي تقودها؟.

المنطق يقول إن حزب الله هو الذي يحتاج إلى تغيير سلوكه ومراجعة سياساته وشعاراته حتى يمكنه المشاركة في بناء الدولة ومؤسساتها وتوقيتها كما يريد الناخب اللبناني، فقد ثبت أن كل الخطابات عبر الشاشات من موقع خفي لا يعلمه أحد لنصر الله، لم تقنع الناخب، وعلى العكس فقد تكون سببا للهزيمة، وحتى محاولات التجميل بالتسريبات عن الاتصالات بالصندوق الدولي، واستعداد المؤسسات الدولية والممولين العالميين للتعامل مع حكومة تشكلها المعارضة، لم يكن لها نتيجة.

لقد آن الأوان لحزب الله لكي يتغير ويبدأ التفكير في الفرص العديدة التي أتيحت له لكي يتحول إلى حزب سياسي مثل بقية الأحزاب ويتخلى عن الاستقواء بالسلاح، أو الانفراد بقرارات، يأخذ لبنان كله رهينة معه في مغامرات لم تحسب الدولة لها حسابا، ويدفع البلد كله ثمنها. والهزيمة فرصة للتفكير، في تغيير السلوك وربما التغيير في القيادات، والبدء في إعطاء السياسيين حقهم بدلا من رجال الميليشيا السريين، ورجال الدين المؤدلجين.

الأكثرية من جانبها جاءت ردود فعلها عقلانية وتعكس ثقة المنتصر، بتأكيد سعد الحريري على أن الرابح الأكبر هو لبنان، ولا يعتقد أن هناك تفكيرا أو حتى إمكانية في ظل المعادلة اللبنانية لإقصاء طرف، فالجميع أطراف في سفينة واحدة، لكن أحد أطراف أو ركاب السفينة يجب أن يتوقف عن محاولات ثقبها. وإذا قرأ حزب الله النتيجة جيدا فلا بد أن يصل إلى نتيجة محتومة، وهو أنه الطرف الذي يحتاج إلى تغيير سلوكه بدلا من العودة للحديث عن الثلث المعطل والسلاح فوق الجميع، إلى آخر هذا الكلام الذي لا يفيد.